للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرَّأْسِ كَالْقَلَنْسُوَةِ، وَلَكِنْ يُجْزِيهِ مِنْ الطَّعَامِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ تُسَاوِي قِيمَةَ الطَّعَامِ.

وَلَوْ أَعْطَى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ثَوْبًا بَيْنَهُمْ، وَهُوَ ثَوْبٌ كَثِيرُ الْقِيمَةِ، يُصِيبُ كُلُّ مِسْكِينٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ ثَوْبٍ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْتَسِي بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ يُجْزِيهِ مِنْ الطَّعَامِ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ رُبْعَ صَاعِ حِنْطَةٍ، وَذَلِكَ يُسَاوِي صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ مِنْ الطَّعَامِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُدُّ مِنْ الْحِنْطَةِ يُسَاوِي ثَوْبًا كَانَ يُجْزِئُ مِنْ الْكِسْوَةِ دُونَ الطَّعَامِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِمَا أَبْهَمَهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقَامَةُ الطَّعَامِ مَقَامَ الْكِسْوَةِ، وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ التَّمْكِينُ دُونَ التَّمْلِيكِ، وَلَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا وَاحِدًا عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا فِي الطَّعَامِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَوْبًا حَتَّى اسْتَكْمَلَ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الطَّعَامِ. (فَإِنْ قِيلَ): الْحَاجَةُ إلَى الطَّعَامِ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْكِسْوَةِ لَا تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ، وَإِنَّمَا تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (قُلْنَا): نَعَمْ الْحَاجَةُ إلَى الْمَلْبُوسِ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّا أَقَمْنَا التَّمْلِيكَ مَقَامَهُ فِي بَابِ الْكِسْوَةِ، وَالتَّمْلِيكُ يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَإِذَا أَقَامَ الشَّيْءَ مَقَامَ غَيْرِهِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ حَقِيقَةِ نَفْسِهِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْمِلْكِ لَا نِهَايَةَ لَهَا، إلَّا أَنَّا لَا نُجَوِّزُ أَدَاءَ الْكُلِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِلتَّنْصِيصِ عَلَى تَفْرِيقِ الْأَفْعَالِ، وَذَلِكَ بِتَفْرِيقِ الْأَيَّامِ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ، وَقَدْ يَحْصُلُ أَيْضًا بِتَفَرُّقِ الدَّفَعَاتِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ مَعْلُومٌ، فَقَدَّرْنَا بِالْأَيَّامِ، وَجَعَلْنَا تَجَدُّدَ الْأَيَّامِ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ كَتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ تَيْسِيرًا.

وَإِنْ أَعْطَى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً قِيمَتُهُ تَبْلُغُ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ أَجْزَأَهُ مِنْ الْكِسْوَةِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، كَمَا لَوْ أَدَّى الدَّرَاهِمَ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ، وَبَلَغَتْ قِيمَةَ الطَّعَامِ أَجْزَأَهُ مِنْ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مَعْلُومٌ، وَهُوَ سُقُوطُ الْوَاجِبِ بِهِ عَنْهُ، فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ بِالطَّرِيقِ الْمُمْكِنِ، وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَأَخَذَهُ، فَعَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ التَّكْفِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ الْمِسْكِينِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ، وَلَوْ كَسَا عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِ عَنْهُ ثَمَنًا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْغَيْرِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ، وَالْمِسْكِينُ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ لِنَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الطَّعَامِ مِثْلَهُ فِي الظِّهَارِ، وَلَوْ كَسَاهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَرَضِيَ بِهِ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ قَدْ تَمَّتْ مِنْ جِهَةِ الْمُؤَدِّي، فَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهَا عَنْ غَيْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَلَوْ أَعْطَى عَنْ كَفَّارَةِ أَيْمَانِهِ فِي أَكْفَانِ الْمَوْتَى، أَوْ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ، أَوْ فِي قَضَاءِ دَيْنِ مَيِّتٍ، أَوْ فِي عِتْقِ رَقَبَةٍ لَمْ يُجْزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِالتَّمْلِيكِ إلَى الْفَقِيرِ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا، وَقَدْ بَيَّنَّا مِثْلَهُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>