وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: ١١]. وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى ابْنِ الْعَمِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: ٥]. وَقَدْ يَكُونُ بِالْعِتْقِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْمُوَالَاةِ، فَمَا لَمْ يُفَسِّرُوا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ مَوْلَى هَذَا مَوْلَى عَتَاقَةٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى الْعَتَاقَةُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى وَيَتَنَاوَلُ الْأَسْفَلَ، فَلَا يَدْرِي الْقَاضِي بِأَيِّ الْأَمْرَيْنِ يَقْضِي، وَأَيُّهُمَا كَانَ أَعْتَقَ صَاحِبَهُ (فَإِنْ قِيلَ): هَذَا الِاحْتِمَالُ يَزُولُ بِقَوْلِهِمَا وَوَارِثُهُ فَإِنَّ الْأَسْفَلَ لَا يَرِثُ مِنْ الْأَعْلَى، وَإِنَّمَا يَرِثُ الْأَعْلَى مِنْ الْأَسْفَلِ (قُلْنَا): بِهَذَا لَا يَزُولُ الِاحْتِمَالُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى تَوْرِيثَ الْأَسْفَلِ مِنْ الْأَعْلَى، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا، وَلَعَلَّ الشَّاهِدَيْنِ اعْتَقَدَا ذَلِكَ وَقَصَدَا بِهِ التَّلْبِيسَ عَلَى الْقَاضِي يَعْلَمُهُمَا أَنَّهُمَا لَوْ فَسَّرَا لَمْ يَقْبِضْ الْقَاضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ مَوْلَى عَتَاقَةٍ لَهُ بِإِعْتَاقٍ مِنْهُ، وَبِإِعْتَاقٍ مِنْ أَبِيهِ أَوْ بَعْضِ أَقَارِبِهِ، وَبَيْنَ النَّاسِ كَلَامٌ فِي الْإِرْثِ بِمِثْلِ هَذَا الْوَلَاءِ يَخْتَصُّ بِهِ الْعَصَبَةُ، أَمْ يَكُونُ بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، فَلِهَذَا لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا مَا لَمْ يُفَسِّرَا فَإِنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْحَيَّ أَعْتَقَ هَذَا الْمَيِّتَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَهُوَ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمْ فَسَرُّوا مَا شَهِدُوا بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَبْقَ فِيهِ تُهْمَةُ التَّلْبِيسِ، وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِسَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الْمَالِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى النَّسَبِ.
وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَارِثُهُ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْإِرْثِ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ مُقَيَّدٌ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَيِّتِ عَصَبَةٌ نَسَبًا وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الشَّرْطُ إلَّا بِشَهَادَتِهِمْ وَقَوْلُهُمْ: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ إنَّمَا شَهَادَةٌ عَلَى مَا يَعْلَمُونَ وَكَمَا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَالْقَاضِي لَا يَعْلَمُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ. فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَارِثُهُ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدُوا عَلَى عِتْقٍ كَانَ مِنْ أَبِيهِ، وَفَسَّرُوا عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ وِرَاثَتُهُ مِنْهُ فَإِنْ قَالَا لَمْ نُدْرِكْ أَبَاهُ هَذَا الْمُعْتِقَ، وَلَكِنَّا قَدْ عَلِمْنَا هَذَا، لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى هَذَا إمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَلِأَنَّهُمَا لَا يُجَوِّزَانِ الشَّهَادَةَ عَلَى الْوَلَاءِ بِالتَّسَامُعِ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُجَوِّزُ ذَلِكَ. وَلَكِنْ إذَا أَطْلَقَا الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا إذَا بَيَّنَا أَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا، وَإِنَّمَا يَشْهَدَانِ بِالتَّسَامُعِ فَالْقَاضِي لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ، وَبَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ أَنَّهُ أَعْتَقَ أُمَّ هَذَا الْمَيِّتِ، وَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ مِنْ عَبْدِ فُلَانٍ، وَأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَبْدًا أَوْ مَاتَتْ أُمُّهُ، ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ وَارِثُهُ فَقَدْ فَسَرُّوا الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ (قَالَ): فَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَ أَبَاهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، وَأَنَّهُ وَارِثُهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute