للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبَبَ جَرِّ الْوَلَاءِ إلَيْهِ، وَهُوَ عِتْقُ الْأَبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ بِالْمِيرَاثِ لِمَوَالِي الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ إذَا أَثْبَتَ الثَّانِي خَطَأَ الْقَاضِي فِي الْقَضَاءِ بِهِ لِلْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يُبْطِلُ مَا قَضَى بِهِ، وَيَكُونُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ وَلَاءَ مَيِّتٍ بِالْعِتْقِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ جَعَلْت مِيرَاثَهُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ إرْثُ رَجُلَيْنِ بِالْوَلَاءِ مِنْ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ أَعْتَقَا عَبْدًا بَيْنَهُمَا، وَالْبَيِّنَاتُ حُجَجٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.

فَإِنْ وَقَّتَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَقْتًا وَكَانَ أَحَدُهُمَا سَابِقًا، فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْوَلَاءَ لِنَفْسِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ الْغَيْرُ فِيهِ، فَهُوَ كَالنَّسَبِ إذَا أَقَامَ رَجُلَانِ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَأَحَدُهُمَا أَسْبَقُ تَارِيخًا؛ وَلِأَنَّهُ بَعْدَمَا ثَبَتَ الْعِتْقُ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَرَّخَ شُهُودُهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِلْكُ الثَّانِي فِيهِ حَتَّى يُعْتِقَهُ، فَتَبَيَّنَ بِشَهَادَةِ الَّذِينَ أَرَّخُوا تَارِيخًا سَابِقًا بُطْلَانَ شَهَادَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ، فَصَاحِبُ الْعَقْدِ الْآخَرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ مَعَ الْأَوَّلِ يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْعَقْدُ مَعَ الثَّانِي، وَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْوَلَاءِ الْأَوَّلِ فَشُهُودُ الْآخَرِ أَثْبَتُوا بِشَهَادَتِهِمْ مَا يَفْسَخُ الْوَلَاءَ، فَالْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودُ صَاحِبِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَانَ عَقَلَ عَنْهُ فَحِينَئِذٍ قَدْ تَأَكَّدَ وَلَاؤُهُ، وَلَا يُنْتَقَضُ بِالْعَقْدِ مَعَ الْآخَرِ، بَلْ يَبْطُلُ الثَّانِي وَيَبْقَى الْأَوَّلُ بِحَالِهِ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِوَلَائِهِ وَمِيرَاثِهِ، ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي ذَلِكَ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا تَرَجَّحَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ بِتَقَدُّمِ الْقَضَاءِ مِنْ الْقَاضِي بِبَيِّنَتِهِ، لَمْ تُقْبَلْ الْبَيِّنَةُ مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَعْلَمُ كَذِبَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَقَدْ تَأَكَّدَتْ شَهَادَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهَا فَإِنَّمَا يُحَالُ بِالْكَذِبِ عَلَى شَهَادَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي، إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، فَحِينَئِذٍ يَقْضِي الْقَاضِي لَهُ بِالْمِيرَاثِ، وَيَبْطُلُ قَضَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا سَبَبَ كَوْنِهِ مُخْطِئًا فِي الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا حِينَ أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ.

رَجُلٌ مَاتَ، وَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، وَأَنَّهُ لَا وَارِثَ لِأَبِيهِ وَلَا لِهَذَا الْمَيِّتِ غَيْرَهُ، وَجَاءَ بِابْنَيْ أَخِيهِ فَشَهِدَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِجَدِّهِمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ، وَالْإِرْثُ بِهِ كَانَ لِلْمُعْتِقِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ عَلَى أَنْ يَخْلُفَهُ فِي ذَلِكَ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ، وَشَهَادَةُ النَّافِلَةِ لِلْجَدِّ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ ابْنَيْ الْمُعْتِقِ بِذَلِكَ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>