للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَاطِلٍ وَلَا بِغُرُورٍ، وَهُوَ شَاذٌّ مِنْ الْحَدِيثِ، لَا يَكَادُ يَصِحُّ إنَّمَا الْقَدْرُ الَّذِي صَحَّ مَا ذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهُوَ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ الَّذِي بُعِثَ لِأَجْلِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَّا مَا زَادَ عَلَيْهِ هِشَامٌ فَهُوَ وَهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَأْمُرُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَالشِّرَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ. وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَرَى مِنْ امْرَأَتِهِ الثَّقَفِيَّةِ جَارِيَةً، وَشَرَطَ لَهَا أَنَّهَا لَهَا بِالثَّمَنِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا فَسَأَلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَطَأَهَا وَلَا حَدَّ فِيهَا شُرِطَ فَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْثَقَ وَأَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِهِ.

وَفِي الْبَيْعِ مَعَ الشَّرْطِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ بَيْعَ الْمُكَاتَبَةِ بِرِضَاهَا يَجُوزُ، وَأَنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ لِمَنْ حَصَلَ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِهِ لَا لِمَنْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ بِدُونِ مِلْكِ الْمَحَلِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ؛ وَلِأَجْلِهِ رُوِيَ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْكِتَابِ.

وَإِذَا أُعْتِقَ الرَّجُلُ عَنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ قَرِيبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَالْعِتْقُ جَائِزٌ عَنْ الْمُعْتِقِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ دُونَ الْمُعْتَقِ عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ وِلَايَةُ إدْخَالِ الشَّيْءِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، فَإِنَّمَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ عَلَى مِلْكِ الْمُعْتِقِ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَصَدَّقَ الْوَارِثُ عَنْ مُورِثِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ الصَّدَقَةِ لَا يَسْتَدْعِي مِلْكَ مَنْ تَكُونُ الصَّدَقَةُ عَنْهُ لَا مَحَالَةَ؛ وَلِأَنَّهُ بِالتَّصَدُّقِ عَنْهُ يَكْتَسِبُ لَهُ الثَّوَابَ وَلَا يُلْزِمُهُ شَيْئًا، وَبِالْعِتْقِ يَلْزَمُهُ الْوَلَاءُ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُلْزِمَ مُوَرِّثَهُ الْوَلَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي بَابِ الظِّهَارِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَضْمَنُهَا لَك فَفَعَلَ لَمْ يَكُنْ الْعِتْقُ عَنْ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى أَلْفٍ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ التَّمْلِيكَ يَنْدَرِجُ فِيهِ، وَذَلِكَ يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَعْتِقْهُ عَنِّي، فَأَمَّا هُنَا فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْتِمَاسِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ، فَلَا يَنْدَرِجُ فِيهِ التَّمْلِيكُ، وَبِدُونِهِ يَكُونُ الْعِتْقُ عَنْ الْمُعْتِقِ دُونَ الْآمِرِ وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>