للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْرُوفُ النَّسَبِ مَعَ مُدَّعِي الرِّقِّ عَلَى مَالٍ لِيَسْتَرِقَّهُ.

وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عِوَضًا عَنْ الْمَالِ أَوْ عَنْ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ أَوْ عَنْ الْيَمِينِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ عِوَضًا عَنْ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْمُدَّعَى لِلْمُدَّعِي قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ. . . الْحَدِيثَ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الصُّلْحِ لَا يَرْجِعُ بِالْمَالِ الْمُدَّعَى وَلَكِنْ يَعُودُ عَلَى رَأْسِ الدَّعْوَى وَلَوْ كَانَ الْمَالُ بَدَلًا عَنْ الْمُدَّعَى لَكِنْ يَعُودُ بِهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا لَوْ كَانَ الصُّلْحُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ.

وَلَوْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ دَارًا لَا يَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ أَوْ كَانَ الْمَالُ بَدَلًا عَنْ الْمُدَّعِي وَالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالْمَالِ وَلِأَنَّهُ كَمَا لَا يُسْتَحَقُّ بِنَفْسِ الدَّعْوَى أَخْذُ الْمَالِ الْمُدَّعَى فَكَذَلِكَ لَا يُسْتَحَقُّ أَخْذُ الْمَالِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَشْرُوعَةٌ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا بِالْمَالِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةَ أَوْ هَلَاكَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ وَلَوْ صَالَحَ مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ عَلَى مَا كَانَ بَاطِلًا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا يَبْذُلُ الْمَالَ لِيَدْفَعَ بِهِ أَذَى الْمُدَّعِي عَنْ نَفْسِهِ وَالْمُدَّعِي يَأْخُذُ الْمَالَ لِيَكُفَّ عَنْ الْخُصُومَةِ مَعَهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَخُصُومَتُهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ ظُلْمٌ مِنْهُ شَرْعًا وَأَخْذُ الْمَالِ لِيَكُفَّ عَنْ الظُّلْمِ رِشْوَةٌ فَيَكُونُ حَرَامًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي النَّارِ» وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» وَبِنَحْوِ هَذَا يَسْتَدِلُّ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ الْمُدَّعَى بِنَفْسِ الدَّعْوَى يَصِيرُ حَقًّا لِلْمُدَّعِي مَا لَمْ يُعَارِضْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِنْكَارِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُنَازِعْهُ فِي ذَلِكَ لَتَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى خَبَرٌ مُحْتَمَلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَلَكِنْ الصِّدْقُ يَتَرَجَّحُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ دِينَهُ وَعَقْلَهُ يَدْعُوَانِهِ إلَى الصِّدْقِ وَيَمْنَعَانِهِ مِنْ الْكَذِبِ إلَّا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا عَارَضَهُ بِإِنْكَارِهِ فَإِنْكَارُهُ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَلِتَحَقُّقِ الْمُعَارَضَةِ تَخْرُجُ دَعْوَاهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِلِاسْتِحْقَاقِ مَا لَمْ يَظْهَرْ التَّرْجِيحُ فِي جَانِبِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَاكِتًا فَالْمُعَارِضُ لَمْ يُوجَدْ فَتَبْقَى دَعْوَى الْمُدَّعِي مُعْتَبَرَةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَلِهَذَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَأَمَّا بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ بِالْإِنْكَارِ لَمْ يَبْقَ لِلدَّعْوَى سَبَبٌ الِاسْتِحْقَاقِ فَأَخْذُ الْمَالِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ يَكُونُ رِشْوَةً وَأَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اسْتَدَلُّوا فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] فَالتَّقْيِيدُ بِحَالِ الْإِقْرَارِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ الْمُغَيَّا فِيهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ مِنْ صَاحِبِهِ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ

فَإِنَّهُ لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ إلَى الْمُدَّعِي بِمَالٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>