فِي قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَفِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَدَنَةٌ وَأَخَذْنَا بِالْأَوَّلِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «تَمَتَّعْنَا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَدَنَةِ عَنْ سَبْعَةٍ» فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الَّذِي يَفُوتُهُ بِمُضِيِّهِ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَ الْهَدْيَ
(قَالَ): وَلَوْ صَامَ هَذِهِ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ إحْرَامِهِ لِلْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجَّةِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَحُجَّتُهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] وَحِينَ صَامَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَصَوْمُهُ هَذَا لَيْسَ فِي الْحَجِّ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ: جَعَلَ الْحَجُّ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ وَفِعْلُ الْحَجِّ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَقْتُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] وَهَذَا قَدْ صَامَ فِي وَقْتِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ السَّبَبُ، وَهُوَ التَّمَتُّعُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّمَتُّعِ فِي أَدَاءِ الْعُمْرَةِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ فِي وَقْتِ الْحَجِّ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ، وَأَدَاءُ الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهَا جَائِزٌ إذَا صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى جَاءَ يَوْمُ النَّحْرِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّ رَجُلًا أَتَاهُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: إنِّي تَمَتَّعْتُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ: اذْبَحْ شَاةً فَقَالَ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ فَقَالَ: سَلْ أَقَارِبَكَ فَقَالَ: لَيْسَ هُنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَقَالَ لِغُلَامِهِ يَا مُغِيثُ أَعْطِهِ قِيمَةَ شَاةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَدَلَ كَانَ مُؤَقَّتًا بِالنَّصِّ فَبَعْدَ فَوَاتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَكُونُ بَدَلًا فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ فِي الِابْتِدَاءِ يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلَكِنَّ هَذَا فَاسِدٌ فَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ بِهَا وَلَوْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ صَوْمِ يَوْمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَانَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخُلْفِ مَا إذَا قَدَرَ عَلَى أَصْلِ الْهَدْيِ بَعْدَ مَا يَحِلُّ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّحَلُّلُ فَإِنَّمَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، وَهُوَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا صَوْمُ السَّبْعَةِ لَيْسَ بِبَدَلٍ فِيمَا هُوَ مَقْصُودٌ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَوَانَ أَدَائِهَا بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَوُجُوبِ الْهَدْيِ لَا يَمْنَعُ أَدَاءَهَا، وَالْمُرَادُ مِنْ الرُّجُوعِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] مُضِيُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَتَّى إذَا صَامَ بَعْدَ مُضِيِّهَا قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ جَازَ عِنْدَنَا، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا أَنْ يَنْوِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute