الْمُقَامَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ الصَّوْمُ
(قَالَ): وَإِنَّ أَهَلَّ الْآفَاقِيُّ بِالْحَجِّ فَطَافَ لَهَا شَوْطًا، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ رَفَضَهَا وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَدَمٌ لِلرَّفْضِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ قَدْ تَأَكَّدَ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الطَّوَافِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ وَلَوْ بَقِيَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ كَانَ بَانِيًا عَمَلَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلِهَذَا يَرْفُضُهَا. وَإِنْ كَانَ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا فَطَافَ لَهَا شَوْطًا، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مَضَى فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي أَعْمَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ يَكُونُ قَارِنًا وَإِنْ طَافَ لَهَا أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ بَعْدَ عَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَلِأَكْثَرِ الطَّوَافِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَالْقَارِنُ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ صَارَ جَامِعًا حِينَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَكِّيَّ لَا يَقْرِنُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا يُضِيفُ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ، فَإِنْ قَرَنَ بَيْنَهُمَا رَفَضَ الْعُمْرَةَ وَمَضَى فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا، وَرَفْضُ الْعُمْرَةِ أَيْسَرُ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْحَجِّ فِي الْقُوَّةِ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضِيَهَا مَتَى شَاءَ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَ الْعُمْرَة؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْبُدَاءَةِ بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقُوَّةِ، وَلَا مُسَاوَاةَ هُنَا فَيَرْفُضُ الْعُمْرَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَإِنْ مَضَى فِيهِمَا حَتَّى قَضَاهُمَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْجَامِعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ وَالْعُمْرَتَيْنِ فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا عَمَلًا مَنْفِيٌّ هُنَاكَ وَمَعَ النَّفْيِ لَا يَتَحَقَّقُ الِاجْتِمَاعُ فَيَكُونُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا عَلَى كُلُّ حَالٍ، وَهُنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَعَ النَّهْيِ يَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنَّ هَذَا الدَّمَ لَيْسَ نَظِيرَ الدَّمِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ إذَا قَرَنَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ نُسُكٌ يَحِلُّ التَّنَاوُلُ مِنْهُ، وَهَذَا جَبْرٌ لَا يَحِلُّ التَّنَاوُلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا الدَّمِ بِارْتِكَابِ مَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَكُونُ وَاجِبًا بِطَرِيقِ الْجَبْرِ لِلنُّقْصَانِ فَلِهَذَا لَا يُبَاحُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْعُمْرَةِ شَوْطًا أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَ الْحَجَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَأَكْثَرُ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ بَاقٍ عَلَيْهِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَكَأَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجَّةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ فَيَرْفُضُهَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ قَدْ تَأَكَّدَ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَإِحْرَامُ الْحَجِّ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ وَالْمُتَأَكِّدُ بِأَدَاءِ الْعَمَلِ أَقْوَى مِنْ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ فَلِهَذَا يَرْفُضُ الْحَجَّةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّأَكُّدَ يَحْصُلُ بِشَوْطٍ مِنْ الطَّوَافِ مَا بَيَّنَّا فِي الْآفَاقِيِّ إذَا طَافَ لِلْحَجِّ شَوْطًا، ثُمَّ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ كَانَ عَلَيْهِ رَفْضُهَا لِتَأَكُّدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute