أَجْرَ الْمِثْلِ.
وَلَوْ قَالَ الْمُضَارِبُ: شَرَطْتَ لِي ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: شَرَطْتُ لَك ثُلُثَ الرِّبْحِ وَزِيَادَةَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ ثُلُثَ الرِّبْحِ، ثُمَّ أَقَرَّ رَبُّ الْمَالِ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّهَا الْمُضَارِبُ، بَلْ لِيُفْسِدَ الْعَقْدَ وَيُبْطِلَ اسْتِحْقَاقَ الْمُضَارِبِ، فَهُوَ مُتَعَنِّتٌ فِي هَذَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَيُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي جَوَازَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ زِيَادَةَ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ لِلْعَقْدِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَثْبَتَ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ خِيَارًا أَوْ أَجَلًا مَجْهُولًا لَا بِبَيِّنَةٍ.
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: شَرَطْتُ لَك ثُلُثَ الرِّبْحِ إلَّا مِائَةً، وَقَالَ الْمُضَارِبُ: شَرَطْتَ ثُلُثَ الرِّبْحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً، فَإِنَّ الْكَلَامَ الْمُقَيَّدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى فَالْمُضَارِبُ يَدَّعِي أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ ثُلُثٌ كَامِلٌ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَنِّتٍ فِي ذَلِكَ، وَالْبَيِّنَةُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّهِ بِالْبَيِّنَةِ.
وَلَوْ وَضَعَ فِي الْمَالِ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: شَرَطْتُ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ: شَرَطْتَ لِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، أَوْ دَفَعْتَهُ إلَيَّ مُضَارَبَةً، وَلَمْ تَشْتَرِطْ لِي شَيْئًا فَلِي أَجْرُ الْمِثْلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَإِنْ أَقَامَ رَبُّ الْمَالِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَأَقَامَ الْمُضَارِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ شَيْئًا، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ لِإِثْبَاتِ شَرْطِ نِصْفِ الرِّبْحِ، وَبَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ قَامَتْ عَلَى نَفْيِ الشَّرْطِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ فَلِهَذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
وَإِنْ كَانَ أَقَامَ الْمُضَارِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ رِبْحَ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَقَامَ رَبُّ الْمَالِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ اسْتَوَتَا فِي إثْبَاتِ الشَّرْطِ فَرُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ دَيْنًا مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارِبَ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ، وَذَكَرَ نَظِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ إذَا قَالَ لِلْعَامِلِ: شَرَطْتُ لَك نِصْفَ الْخَارِجِ، وَقَالَ الْعَامِلُ: شَرَطْتَ لِي مِائَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ الْخَارِجِ، وَلَمْ يَحْصُلْ الْخَارِجُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالُوا: جَوَابُهُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَصْلَيْنِ جَوَابٌ فِي الْفَصْلِ الْآخَرِ، وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رِوَايَتَانِ: وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرْنَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمُزَارَعَةِ: أَنَّ رَبَّ الْمَالِ يُثْبِتُ صِحَّةَ الْعَقْدِ فَتُرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ؛ لِذَلِكَ، وَأَصَحُّ الْجَوَابَيْنِ مَا ذُكِرَ هُنَا.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ وَالْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ.
(أَلَا تَرَى)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute