للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِعْلَهُ الضَّرْبُ بِالسَّوْطِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَطَأِ وَلَوْ كَانَ أَكْرَهَهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْحَبْسِ كَانَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِالْحَبْسِ لَا يَجْعَلُ الْمُكْرَهَ آلَةً، وَلَا يُوجِبُ نِسْبَةَ الْفِعْلِ إلَى الْمُكْرِهِ.

وَلَوْ أَنَّ لِصًّا أَكْرَهَ رَجُلًا بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ، فَأَعْتَقَهُ كُلَّهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ يَتَجَزَّأُ وَمَا أَتَى بِهِ غَيْرُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، فَلَا يَصِيرُ الْإِتْلَافُ بِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ عَلَى أَصْلِهِ لَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ، فَأَعْتَقَهُ كُلَّهُ كَانَ بَاطِلًا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْمُكْرِهُ ضَامِنٌ لَقِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْعِتْقُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَالْإِكْرَاهُ عَلَى إعْتَاقِ النِّصْفِ بِمَنْزِلَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ كُلَّهُ، فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ، فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ، فَأَمَّا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَالْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ فَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ طَائِعًا، وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْمُكْرِهِ بِنِصْفِ قِيمَتهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، فَكَانَ حُكْمُ الْإِكْرَاهِ ثَابِتًا فِيمَا أَتَى بِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَأْمُورَ بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ نَفَذَ، فَإِنْ نَوَى مَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ بِهِ أَيْضًا عَلَى الْمُكْرِهِ، وَيَرْجِعَ الْمُكْرِهُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ، فَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرِهَ صَارَ كَالْمُعْتَقِ لِذَلِكَ النِّصْفِ، وَإِعْتَاقُ النِّصْفِ إفْسَادٌ لِمِلْكِهِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَذَّر عَلَيْهِ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فِيهِ، فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ قِيمَةَ النِّصْفِ الْآخَرِ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ ذَلِكَ النِّصْفَ بِالضَّمَانِ، فَيَسْتَسْعِيه فِيهِ، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا النِّصْفَ عَتَقَ عَلَى مِلْكِ الْمُكْرَهِ بِأَدَاءِ السِّعَايَةِ إلَيْهِ قَالُوا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَوَابُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ مُوسِرًا عَلَى قِيَاسِ ضَمَانِ الْمُعْتِقِ.

وَلَوْ أَنَّ مَرِيضًا أُكْرِهَتْ امْرَأَتُهُ بِوَعِيدِ تَلَفٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى تَسْأَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً فَسَأَلَتْهُ ذَلِكَ، فَطَلَّقَهَا كَمَا سَأَلَتْ، ثُمَّ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ؛ لِأَنَّ سُؤَالَهَا مَعَ الْإِكْرَاهِ بَاطِلٌ، فَإِنَّ تَأْثِيرَ سُؤَالِهَا فِي الرِّضَا مِنْهَا بِالْفُرْقَةِ، وَإِسْقَاطِ حَقِّهَا مِنْ الْمِيرَاثِ، وَذَلِكَ مَعَ الْإِكْرَاهِ لَا يَتَحَقَّقُ، وَلَوْ سَأَلَتْهُ تَطْلِيقَتَيْنِ بَائِنَتَيْنِ فَفَعَلَ، ثُمَّ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْهُ غَيْرَ مَا أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَا زَادَتْ مِنْ عِنْدِهَا كَافٍ لِإِسْقَاطِ حَقِّهَا فِي الْمِيرَاثِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا لَوْ سَأَلَتْ زَوْجَهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ بَائِنَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّة لَمْ تَرِثْهُ لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَرْنَا إلَيْهِمَا.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلٍ يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً إذَا شَاءَ، وَأُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ جَعَلَ فِي يَدِ ذَلِكَ الرَّجُلِ تَطْلِيقَةً أُخْرَى فَفَعَلَ فَطَلَّقَهَا الرَّجُلُ التَّطْلِيقَتَيْنِ جَمِيعًا لَمْ يَرْجِعْ الزَّوْجُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>