للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِبَالِهِ قَدْ، وَجَدَ مَخْرَجًا عَمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ كَافِرًا، فَإِنْ شَتَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ كَفَرَ، وَكَرَاهَتُهُ بِقَلْبِهِ لَا تَنْفَعُ شَيْئًا.

وَلَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ، فَخَطَر عَلَى بَالِهِ أَنْ يَقُولَ هُوَ حُرٌّ بِهِ يُرِيدُ الْخَبَرَ، وَالْكَذِبَ، وَسِعَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ إذَا كَانَ بَاطِلًا، فَبِالْإِخْبَارِ لَا يَصِيرُ حَقًّا، وَلَكِنْ إنْ ظَهَرَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِهِ أَيْ بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أُكْرِهَ عَلَى إنْشَاءِ الْعِتْقِ، وَالْإِقْرَارُ غَيْرُ الْإِنْشَاءِ وَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ مَمْلُوكِهِ طَائِعًا يَعْتِقُ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُكْرِهُ لَهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ أَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، فَقَدْ صَارَ مُغْرِيًا الْمُكْرِهَ عَلَى الضَّمَانِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَقَالَ كَيْفَ تُكْرِهُونَنِي عَلَى الْعِتْقِ، وَهُوَ حُرُّ الْأَصْلِ، أَوْ قَدْ أَعْتَقْته أَمْسِ أَعْتَقَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَضْمَنْ لَهُ الْمُكْرِهُ شَيْئًا، وَلَوْ قَالَ خَطَرَ ذَلِكَ عَلَى بَالِي فَقُلْت هُوَ حُرٌّ أُرِيدُ بِهِ عِتْقًا مُسْتَقْبِلًا كَانَ حُرًّا فِي الْقَضَاءِ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَضَمَّنَ الَّذِي أَكْرَهَهُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي خَطَرَ عَلَى بَالِهِ لَوْ فَعَلَهُ عَتَقَ بِهِ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا، فَإِتْلَافُ الْمَالِيَّةِ بِفِعْلِ الْمُكْرِهِ فِي الْقَضَاءِ مُتَحَقِّقٌ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ مَا خَطَرَ بِبَالِهِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ كَانَ الْإِتْلَافُ فِي الْقَضَاءِ مُضَافًا إلَى الْمُكْرِهِ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، ثُمَّ قَدْ أَنْشَأَ عِتْقًا مُسْتَقْبَلًا، وَذَلِكَ يَجْعَلُ الْمَمْلُوكَ حُرًّا فِي الْقَضَاءِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ مُكْرَهًا، أَوْلَمَ يَكُنْ مُكْرَهًا.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ أَتَى بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَانَ حُرًّا فِي الْقَضَاءِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيُضَمِّنُ الْمُكْرِهَ قِيمَتَهُ، فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ، فَإِنْ قَالَ الْمُكْرِهُ: قَدْ خَطَرَ عَلَى بَالِهِ الْخَبَرُ بِالْكَذِبِ، فَقَالَ: هُوَ حُرٌّ يُرِيدُ الْخَبَرَ الْكَذِبَ، فَأَنَا أُرِيدُ يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ كَانَ مُكْرِهًا إيَّاهُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْرِهَ بَعْدَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَرَدْت الْخَبَرَ بِالْكَذِبِ أَوْ أَنَّهَا طَالِقٌ عَنْ وَثَاقٍ، أَوْ قَيْدٍ، وَسِعَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ، فَهِيَ بَائِنٌ مِنْهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ كَانَ طَائِعًا فِيمَا قَالَهُ بِنَاءً عَلَى قَصْدِهِ، وَإِنْ كَانَ قَالَ: قَدْ كَانَ خَطَرَ بِبَالِي أَنْ أَقُولَ هِيَ طَالِقٌ أُرِيدُ الْخَبَرَ، أَوْ إنَّهَا طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ، أَوْ قَيْدٍ، فَلَمْ أَقُلْ ذَلِكَ، وَقُلْت هِيَ طَالِقٌ أُرِيد طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا كَانَتْ طَالِقًا فِي الْقَضَاءِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مُضَافٌ إلَى الْمُكْرِهِ فِي الْقَضَاءِ سَوَاءٌ قَصَدَ مَا خَطَرَ بِبَالِهِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ فَهُوَ، وَمَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ.

وَإِنْ قَالَ الْمُكْرَهُ إنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>