وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَالَا حَدَّثَنِي مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْهُ نَاقَةً فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ وَشَرَطَ لَهُ ظَهْرَهَا إلَى الْمَدِينَةِ»، وَالصَّحِيحُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، وَمُطْلَقُ النَّهْيِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَأَمَّا حَدِيثُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَقَدْ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَوْهَمَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ بِالْغُرُورِ وَلَا يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَلَوْ صَحَّ فَتَأْوِيلُهُ اشْتَرِطِي الْوَلَاءَ عَلَيْهِمْ وَاللَّامُ تُذْكَرُ بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُولَئِكَ لَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: ٢٥] أَوْ مَعْنَاهُ أَعْلِمِيهِمْ مَعْنَى الْوَلَاءِ فَالِاشْتِرَاطُ فِي اللُّغَةِ الْأَعْلَامُ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ قَالَ الْقَائِلُ
فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهُوَ مُعْصَمٌ ... وَأَلْقَى بِأَسْبَابٍ لَهُ وَتَوَكَّلَا
أَيْ جَعَلَ نَفْسَهُ عَلَمًا لِذَلِكَ الْأَمْرِ، وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ عَلَى أَنَّ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ بَيْعًا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ فِي السَّفَرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قِصَّةُ الْحَدِيثِ فَإِنَّ جَابِرًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «كَانَتْ لِي نَاقَةٌ ثِغَالٌ فَقَامَتْ عَلَيَّ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَأَدْرَكَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا بَالُكَ يَا جَابِرُ فَقُلْتُ جَرَى أَنْ لَا يَكُونَ لِي إلَّا نَاقَةٌ ثِغَالٌ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَاحِلَتِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ وَرَشَّهُ فِي وَجْهِ نَاقَتِي ثُمَّ قَالَ ارْكَبْهَا فَرَكِبْتُهَا فَجَعَلَتْ تَسْبِقُ كُلَّ رَاحِلَةٍ - الْحَدِيثَ - إلَّا أَنْ قَالَ أَتَبِيعُنِي نَاقَتَكَ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقُلْتُ: هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ مَنْ لِي بِالْحِمْلِ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَك ظَهْرُهَا إلَى الْمَدِينَةِ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ جِئْتُ بِالنَّاقَةِ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ النَّاقَةُ قُلْتُ: بِالْبَابِ فَقَالَ: جِئْتَ لِطَلَبِ الثَّمَنِ فَسَكَتَ فَأَمَرَ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَأَعْطَانِي أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خُذْهَا مَعَ النَّاقَةِ فِيمَا لَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِمَا» وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بِيَعٌ. ثُمَّ الشَّرْطُ فِي الْبَيْعِ عَلَى أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ شَرْطًا يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَوْ شَرْطِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يَثْبُتُ، فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وَكَادَةً وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى نَعْلًا وَشِرَاكًا، بِشَرْطِ أَنْ يَحْذُوَهُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْعُرْفِ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ؛ وَلِأَنَّ فِي النُّزُوعِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute