للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ، وَكَانَ مَوْقُوفًا عِنْدَهُ، وَيَبْطُلُ إذَا قُتِلَ - كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُهُ كَمَا يَلْزَمُ شَرِيكَ الْعَنَانِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا: شَرِكَةُ الْعَنَانِ تَصِحُّ مِنْ الْمُرْتَدِّ، فَكَذَلِكَ تَبْقَى بَعْدَ رِدَّتِهِ. وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فَتُوقَفُ مِنْ الْمُرْتَدِّ عِنْدَهُمَا إذَا بَاشَرَهُ ابْتِدَاءً. وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ الْمُفَاوَضَةِ يَتَوَقَّفُ مِنْ الْمُرْتَدِّ عِنْدَهُمَا تِلْكَ الزِّيَادَةُ، فَإِذَا قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ. وَإِنَّمَا بَقِيَتْ شَرِكَةُ الْعَنَانِ بَيْنَهُمَا إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ.

قَالَ: (وَبَيْعُ أَحَدِ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ وَشِرَاؤُهُ وَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ بِجِهَةِ التِّجَارَةِ جَائِزٌ عَلَى شَرِيكِهِ) وَكَذَا إذَا فَعَلَ الْمُرْتَدُّ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ أَقَرَّ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا بِدَيْنٍ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ، وَتَوَقَّفَ أَمْرُ الْمُرْتَدِّ، فَإِنْ أَسْلَمَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُسْلِمُ لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُرْتَدُّ إلَّا أَنَّ أَصْلَهُ إقْرَار الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ، وَإِذَا قُتِلَ بَطَلَ - كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ - وَأَصْلُ إقْرَارِ الْمُسْلِمِ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ بِثُبُوتِ حُكْمِهِ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ عَلَى إسْلَامِهِ، فَإِذَا قُتِلَ أَوْ مَاتَ بَطَلَ ذَلِكَ، وَيَبْقَى الْمُسْلِمُ مُطَالَبًا بِهِ.

قَالَ: (وَإِذَا بَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مَتَاعًا ثُمَّ افْتَرَقَا، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِافْتِرَاقِهِمَا؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ كُلَّهُ) لِأَنَّ بَيْعَ أَحَدِهِمَا فِي حَالِ قِيَامِ الْمُفَاوَضَةِ مُثْبَتٌ عَلَى حَقِّ قَبْضِ الثَّمَنِ لِصَاحِبِهِ؛ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِافْتِرَاقِهِمَا، مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي، حَتَّى إذَا قَضَى الثَّمَنَ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْفُرْقَةِ؛ بَرِئَ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ اسْتَحَقَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ دَفْعِ الثَّمَنِ إلَى أَحَدِهِمَا، فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِافْتِرَاقِهِمَا مَا لَمْ يَعْلَم بِهِ. وَهَذَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إلَى شَرِيكِهِ، فَهُمَا بِالِافْتِرَاقِ قَصَدَا عَزْلَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ، وَعَزْلُ الْوَكَالَةِ قَصْدًا لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ، حَتَّى إذَا عَلِمَ بِالْفُرْقَةِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ جَمِيعَ الْمَالِ إلَّا إلَى الَّذِي وَلِيَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَزْلِ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ؛ لَمَّا عَلِمَ بِهِ؛ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْمُوَكِّلِ يُوجِبُ عَزْلَ الْوَكِيلِ حُكْمًا؛ لِتَحَوُّلِ مِلْكِهِ إلَى وَارِثِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ بِثُبُوتِ حُكْمِهِ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، - بِخِلَافِ مَا إذَا عَزَلَهُ قَصْدًا -. قَالَ: (وَإِنْ وَجَدَ الْمُشْتَرَى بِهِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ إلَّا الَّذِي وَلِيَ الْبَيْعَ)؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ، وَالْخُصُومَةُ فِي الْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ خَاصَّةً ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَاقِدُ بِنِصْفِ ذَلِكَ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي النِّصْفِ كَانَ وَكِيلًا، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعُهْدَةِ فِيهِ. قَالَ: (وَلَوْ كَانَ رَدُّهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْفُرْقَةِ، وَحُكِمَ لَهُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، أَوْ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ، عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ، ثُمَّ افْتَرَقَا؛ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>