وَلَكِنَّا تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ فِيهِ لِلْعَادَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يُخْتَارُ الْعَادَةُ عَنْ الْوَاجِبِ بِذِكْرِ حَمْلِهِ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَقَلَّ مِنْ الْوَاجِبِ وَتَتَّضِحُ هَذِهِ الْعَادَةُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ " إلَّا شَيْئًا " إنَّمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْقَلِيلِ عَادَةً فَهُوَ وَقَوْلُهُ " إلَّا قَلِيلًا " سَوَاءٌ فَلِهَذَا لَزِمَهُ خَمْسُمِائَةٍ وَزِيَادَةٌ وَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى بَيَانِهِ بِخِلَافِ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ فَإِنَّ هُنَاكَ نَصَّ عَلَى بَيَانِ قَدْرِ الْمُسْتَثْنَى وَلَا مَعْنَى لِلْعَادَةِ مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ زُهَاءُ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ عِظَمُ أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ جُلُّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَهَذَا وَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْوَاجِبَ بِأَنَّهُ عِظَمُ الْأَلْفِ وَلَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، وَقَدْرُ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى بَيَانِهِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ كَانَ الْقَوْلُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ إلَى وَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ، وَقَضَاءُ الْمَالِ مِنْ التَّرِكَةِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ بَيَانُهُ مَقْبُولًا فَكَذَلِكَ بَيَانُهُمْ بَعْدَهُ. وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالثِّيَابِ وَكُلِّ شَيْءٍ يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَفِي قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ حَدًّا وَلَا يَدْخُلُ الْحَدُّ فِي الْمَحْدُودِ كَمَنْ يَقُولُ لِفُلَانٍ مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ أَوْ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَائِطَيْنِ لَا يَدْخُلُ الْحَائِطَانِ فِي الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يَدْخُلُ الْحَدَّانِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا هَذَا كَذَلِكَ فِي حَدٍّ هُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ، فَأَمَّا فِيمَا لَيْسَ بِقَائِمٍ بِنَفْسِهِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ حَدًّا إذَا كَانَ وَاجِبًا، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا يُتَصَوَّرُ حَدًّا لِمَا هُوَ وَاجِبٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْأَصْلُ مَا قَالَهُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْحَدَّ غَيْرُ الْمَحْدُودِ وَمَا لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ ذِكْرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا إلَّا أَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِهَا؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَاجِبٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ الثَّانِي بِدُونِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَسْتَدْعِي ابْتِدَاءً، فَإِذَا أَخْرَجْنَا الْأَوَّلَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا صَارَ الثَّانِي هُوَ الِابْتِدَاءُ فَيَخْرُجُ هُوَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، ثُمَّ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ هَكَذَا بَعْدَهُ فَلِأَجْلِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ أَدْخَلْنَا فِيهِ الْغَايَةَ الْأُولَى وَلَا ضَرُورَةَ فِي إدْخَالِ الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ فَأَخَذْنَا فِيهَا بِالْقِيَاسِ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ كُرِّ شَعِيرٍ إلَى كُرِّ حِنْطَةٍ فَعَلَيْهِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute