أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ الَّذِي يَثْبُتُ لِلْإِمَامِ فِيهِ وِلَايَةَ الْأَخْذِ، وَاَلَّذِي لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ مَنْ عَلَيْهِ يَقْضِي بِأَدَائِهِ فِي حُكْمِ الْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ.
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ هَدْيٌ أُهْدِيهِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَأُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ بَعِيرًا، أَوْ بَدَنَةً يَنْحَرُهَا وَيَتَصَدَّقَ بِهَا، فَفَعَلَ كَانَ الْمُكْرِهُ ضَامِنًا قِيمَتَهَا، وَلَا تَجْزِيهِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ بِلَفْظِ الْهَدْيِ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْبَعِيرُ، وَلَا الْبَقَرَةُ، وَلَكِنْ يُخْرِجُ عَنْهُ بِالشَّاةِ، فَالْمُكْرِهُ ظَالِمٌ لَهُ فِي تَعْيِينِ الْبَدَنَةِ، فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ قِيمَتِهَا، وَلَا يُجْزِيهِ عَمَّا أَوْجَبَهُ لِحُصُولِ الْعِوَضِ، أَوْ لِأَنَّ الْفِعْلَ صَارَ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ الْهَدْيِ فِي الْقِيمَةِ، وَغَيْرِهَا فَأَمْضَاهُ لَمْ يَغْرَمْ الْمُكْرِهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَا زَادَ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ شَرْعًا. .
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَأَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ بِقَتْلٍ، فَأَعْتَقَهُ ضَمِنَ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ، وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَالْمُكْرِهُ فِي أَمْرٍ بِعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ظَالِمٌ، فَيَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ الَّذِي أَكْرَهَهُ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ هُوَ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ التَّسْمِيَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُكْرِهِ ضَمَانٌ، وَأَجْزَأَ عَنْ الْمُعْتِقِ لِتَيَقُّنِنَا بِوُجُوبِ هَذَا الْمِقْدَارِ عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَسْأَلَةِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: إنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَضْمَنُ إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ هُوَ أَدْنَى مَا يُجْزِي إنَّمَا أَخَذَ جَوَابَهُ مِنْ هَذَا الْفَضْلِ، وَعَلَى مَا قُلْنَا مِنْ الْجَوَابِ الْمُخْتَارِ هَذِهِ لَا تُشْبِهُ تِلْكَ؛ لِأَنَّ النَّاذِرَ إنَّمَا يَلْتَزِمُ الْوَفَاءَ بِالْمَنْذُورِ مِنْ أَعْيَانِ مِلْكِهِ، فَيَصِيرُ كَالْمُعْتِقِ لِلْأَدْنَى عَنْ نَذْرِهِ، فَأَمَّا فِي الْكَفَّارَةِ، فَالْوَاجِبُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَتَنَاوَلُ أَعْيَانَ مِلْكِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْكَفَّارَاتِ قَدْ يُخْرِجُ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْإِعْتَاقِ، وَفِي النَّذْرِ لَا يُخْرِجُ بِدُونِ الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَكُونُ الْإِعْتَاقُ إلَّا فِي مِلْكِهِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقَعُ الْفَرْقُ.
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ هَرَوِيٍّ، أَوْ مَرْوِيٍّ، فَأَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ مُحِيطًا بِأَنَّهُ أَدْنَى مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي الْقِيمَةِ، وَغَيْرِهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَلْزَمَهُ بِالْإِكْرَاهِ إلَّا مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِنَذْرِهِ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ نُظِرَ إلَى فَضْلِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، فَغَرِمَ الْمُكْرِهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَدْنَى يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْهَدْيِ، وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْتَقَضُ، فَإِذَا ضَمِنَ الْمُكْرِهُ بَعْضَهُ صَارَ نَاقِضًا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْوَاجِبِ، فَلِهَذَا يَغْرَمُ الْمُكْرَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَالتَّصَدُّقُ بِالثَّوْبِ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَإِنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ ثَوْبٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي ثَوْبًا كَمَا لَزِمَهُ أَجْزَأَهُ عَنْ الْوَاجِبِ فَنَحْنُ، وَإِنْ، أَوْجَبْنَا ضَمَانَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَقَعَ الْمُؤَدَّى فِي مِقْدَارِ الْأَدْنَى مُجْزِيًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute