تَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرِّقَابِ، وَمِنْ أَدْنَى الْكِسْوَةِ الَّتِي تُجْزِئُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرَهُ شَيْئًا لِتَيَقُّنِنَا بِوُجُوبِ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي التَّكْفِيرِ، فَيَكُونُ الْمُكْرَهُ مُكْتَسِبًا سَبَبَ إسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ غَيْرِهَا ضَمِنَهُ الَّذِي أَكْرَهَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْبَنُ فِي وُجُوبِ هَذَا الْمِقْدَارِ عَلَيْهِ، وَلَا هَذَا النَّوْعِ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ شَرْعًا بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِاخْتِيَارِهِ أَقَلَّهَا، فَيَكُونُ الْمُكْرِهُ مُتْلِفًا عَلَيْهِ هَذَا النَّوْعَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَيَضْمَنُهُ لَهُ، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَتَمْلِيكِهِ إيَّاهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ فَاسِدٌ، فَيَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْرَهَهُ بِالْحَبْسِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَصِيرُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ بِهَذَا الْإِكْرَاهِ، وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ رَاضِيًا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَالتَّمْلِيكُ مَعَ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ.
فَإِنْ أَمْضَاهُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلِكًا لَمْ يَجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ، فَإِمْضَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلِكًا، فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَالتَّصَدُّقُ بِالدَّيْنِ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: إنَّهُ إذَا أَكْرَهَهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ أَدْنَى مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ لَا يَكُونُ عَلَى الْمُكْرِهِ فِيهِ ضَمَانٌ، وَيُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَالتَّكْفِيرُ بِالْعِتْقِ عَيْنٌ فِي الظِّهَارِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ، وَعَلَى الْمُكْرِهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا لَهُ فِي الْقَدْرِ، فَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ فِي الْعَيْنِ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ إعْتَاقُ هَذَا بِعَيْنِهِ، وَلِلنَّاسِ فِي الْإِعْتَاقِ أَغْرَاضٌ فَيَلْزَمُ الْمُكْرِهَ الضَّمَانُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَإِذَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ بَدَنَةٍ، أَوْ هَدْيٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ حَجٍّ، فَأُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُمْضِيَهُ، فَفَعَلَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ الْمُكْرِهُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَيُجْزِئُ عَنْ الرَّجُلِ مَا أَمْضَاهُ، وَلِأَنَّ الْمُكْرِهَ مُحْتَسِبٌ حِينَ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَمْرِهِ بِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ، وَالْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {، وَأَوْفَوْا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: ٩١].
فَإِنْ، أَوْجَبَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ عَلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً فِي الْمَسَاكِينِ، فَأُكْرِهَ بِحَبْسٍ، أَوْ قَيْدٍ عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ جَازَ مَا صُنِعَ مِنْهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكْرِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْوَفَاءَ بِمَا الْتَزَمَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ شَرْعًا كَمَا الْتَزَمَهُ، فَإِذَا الْتَزَمَ التَّصَدُّقَ بِالْعَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَيْنِ، وَالْمُكْرِهُ مَا زَادَ فِي أَمْرِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِمَا رَجُلٌ حَتَّى فَعَلَهُمَا أَجْزَأَهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكْرِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ شَرْعًا، وَهَذَا الْجَوَابُ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَمَقْصُودُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute