للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَى مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَيُجْزِئُنِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ»، وَحَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ مَشْهُورٌ حَيْثُ قَالَتْ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ الْحَجُّ أَدْرَكْتُ أَبَى شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَيُجْزِئُنِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يُقْبَلُ مِنْكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَقْبَلَ» فَدَلَّ أَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ. وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ فَأَمَّا الْحَجُّ يَكُونُ عَنْ الْحَاجِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، وَالْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ لَا تُجْزِي بِالنِّيَابَةِ فِي أَدَائِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إنْفَاقُ الْمَالِ فِي الطَّرِيقِ وَأَدَاءُ الْحَجِّ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْحَجِّ بَقِيَ عَلَيْهِ مِقْدَارُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ إنْفَاقُ الْمَالِ فِي الطَّرِيقِ فَلَزِمَهُ دَفْعُ الْمَالِ لِيُنْفِقَهُ الْحَاجُّ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ فَإِنَّ فَرْضَ الْحَجِّ لَا يَسْقُطُ بِهَذَا عَنْ الْحَاجِّ، وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ أَكْثَرُ نَفَقَتِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ حَتَّى صَارَ حَجُّهُ عَنْ نَفْسِهِ كَانَ ضَامِنًا لِمَا أُنْفِقَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ فَقَطْ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ حَصَلَ لِلْمَيِّتِ فَلَمَّا قَالَ يَضْمَنُ وَيَحُجُّ بِهِ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ عُرْفَنَا أَنَّ الْحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ.

(قَالَ)، وَإِنْ أَنْفَقَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَفِي مَالِ الْمَيِّتِ وَفَاءٌ بِحَجِّهِ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ وَجَازَ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُبْتَلَى بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَالُ الْمَيِّتِ حَاضِرًا أَوْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ إظْهَارُهُ، وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ بَيْنَ أَنْ يُنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَيَرْجِعَ بِهِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ يَشْتَرِي لِلْيَتِيمِ وَيُعْطِي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ

(قَالَ) فَإِنْ نَوَى الْحَاجُّ عَنْ الْغَيْرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النَّفْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بَطَلَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ بِهَذِهِ النِّيَّةِ صَارَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ وَتَوَطُّنُهُ بِمَكَّةَ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ لَا لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ فَلَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا اسْتِحْقَاقُهُ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فِي سَفَرِهِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ عَامِلٌ لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ أَقَامَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ مُسَافِرٌ عَلَى حَالِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنْ أَقَامَ بَعْدَ النَّفْرِ ثَلَاثًا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمَقَامِ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ مَتَى شَاءَ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ إلَّا مَعَ النَّاسِ فَإِنْ كَانَ مَقَامُهُ بِمَكَّةَ لِانْتِظَارِ خُرُوجِ قَافِلَتِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ أَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>