للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَجِّ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ بِدُونِ شَرْطِهِ فَيَكُونُ الْمُؤَدَّى قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ نَفْلًا فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا حَجَّ، ثُمَّ اسْتَغْنَى حَيْثُ جَازَ مَا أَدَّى عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْمَالِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْوُجُوبِ إنَّمَا شَرْطُ الْوُجُوبِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَوْضِعِ الْأَدَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَكِّيَّ الَّذِي هُوَ فِي مَوْضِعِ الْأَدَاءِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ مِلْكُ الْمَالِ، وَفِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ لَا يَتَقَدَّرُ الْمَالُ بِالنِّصَابِ بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ قُرْبِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْأَدَاءِ وَبُعْدِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَوْضِعِ الْأَدَاءِ فَبِأَيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ الْفَقِيرُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَجَبَ الْأَدَاءُ فَإِنَّمَا حَصَلَ أَدَاؤُهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَكَانَ فَرْضًا. فَأَمَّا الْعِتْقُ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الَّذِي هُوَ بِمَكَّةَ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فَالْمُؤَدَّى قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَكُونُ فَرْضًا، تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَدَّى الْحَجَّ بِمَنَافِعِهِ وَمَنَافِعُ الْفَقِيرِ حَقُّهُ، فَإِذَا أَدَّاهُ بِمَا هُوَ حَقُّهُ كَانَ فَرْضًا فَأَمَّا مَنَافِعُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ وَبِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَا تَخْرُجُ الْمَنْفَعَةُ مِنْ مِلْكِهِ فَإِنَّمَا أَدَّاهُ بِمَا هُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ وَمِلْكُ الْغَيْرِ لَا يَسْقُطُ مَا هُوَ فَرْضُ الْعُمْرِ عَنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ إذَا أَدَّاهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَمَنَافِعُهُ لِأَدَاءِ الظُّهْرِ صَارَتْ مُسْتَثْنَاةً عَنْ حَقِّ الْمَوْلَى فَإِنَّمَا أَدَّاهُ بِمَنَافِعَ مَمْلُوكَةٍ لَهُ فَهَذَا جَائِزٌ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُسْتَثْنًى مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا تَتَأَدَّى بِهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ.

(قَالَ): فَإِنْ أَصَابَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ الصِّيَامُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَلَا بِالْإِطْعَامِ فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ كَمَا إذَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ.

(قَالَ): وَإِنْ جَامَعَ مَضَى فِيهِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حَجَّهُ، وَإِنْ فَسَدَ لَكِنَّ عَلَيْهِ الْمُضِيَّ فِي الْفَاسِدِ، وَإِنَّ إحْرَامَهُ كَانَ لَازِمًا فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَاسِدًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إذَا عَتَقَ لِتَعَجُّلِ الْإِحْلَالِ بِالْجِمَاعِ، وَهَذَا الدَّمُ لَا يَقُومُ الصَّوْمُ مَقَامَهُ، وَالْأَصْلُ فِي كُلِّ دَمٍ لَا يَقُومُ الصَّوْمُ مَقَامَهُ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْعَبْدِ حَتَّى يَعْتِقَ، وَكُلُّ مَا يَقُومُ الصَّوْمُ مَقَامَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ بِالصَّوْمِ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ مَكَانَ هَذِهِ يَنْوِي حَجَّةَ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَهَا بَعْدَمَا صَحَّ شُرُوعُهُ فِيهَا فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَإِنْ لَمْ يُجَامِعْ، وَلَكِنَّهُ فَاتَهُ الْحَجُّ يَحِلُّ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ صِحَّةِ شُرُوعِهِ فِي الْإِحْرَامِ يَتَحَلَّلُ بِمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ الْحُرُّ، وَالْحُرُّ إنَّمَا يَتَحَلَّلُ بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ بِإِعْمَالِ الْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً إذَا عَتَقَ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِفَوَاتِ مَا شَرَعَ فِيهِ. وَإِنْ أَطْعَمَ عَنْهُ مَوْلَاهُ أَوْ ذَبَحَ عَنْهُ مِنْ الدِّمَاءِ مَا يَلْزَمُهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَالِكًا لِلطَّعَامِ الَّذِي يُؤَدَّى فِي الْكَفَّارَةِ وَلَا لِمَا يُرَاقُ دَمُهُ فَإِنَّ الرِّقَّ يُنَافِي الْمِلْكَ وَبِدُونِ الْمِلْكِ فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>