للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفَّرَ بِهِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ خَاصَّةً فَإِنَّ عَلَى مَوْلَاهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهَدْيٍ عَنْهُ حَتَّى يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ بِإِذْنِهِ بِالْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ بِغَيْرِ هَدْيٍ، فَإِذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمُكْتَسِبُ لِسَبَبِ وُجُوبِ هَذَا الدَّمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحَلِّلَهُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمَوْلَى حَقٌّ بِسَبَبِ عَبْدِهِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبْدِهِ، ثُمَّ عَلَى الْعَبْدِ إذَا عَتَقَ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُحْصَرِ إذَا كَانَ حُرًّا وَيَتَحَلَّلُ بِالْهَدْيِ الْعَبْدُ إذَا تَحَلَّلَ بِهِ

(قَالَ): وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُحِجَّ رَجُلًا عَنْ نَفْسِهِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُحِجَّ رَجُلًا قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِأَنَّهُ أَهْدَى فِي إقَامَةِ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِصَيْرُورَتِهَا مَعْهُودَةً عِنْدَهُ فَإِنْ أَحَجَّ صَرُورَةً عَنْ نَفْسِهِ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ حَجُّ الصَّرُورَةِ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ الْآمِرِ وَحُجَّتُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَنْ شُبْرُمَةَ؟ فَقَالَ: أَخٌ لِي أَوْ صَدِيقٌ لِي، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَ لَهَا أَنْ تَحُجَّ عَنْ أَبِيهَا، وَلَمْ يَسْتَفْسِرْ أَنَّهَا حَجَّتْ عَنْ نَفْسِهَا أَوْ لَا». وَفِي الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ تَعَارُضٌ فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ نُبَيْشَةَ، فَقَالَ: مَنْ نُبَيْشَةَ، فَقَالَ: صَدِيقٌ لِي، فَقَالَ: إذَا حَجَجْت عَنْ نُبَيْشَةَ فَحِجَّ عَنْ نَفْسِكَ» وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَمْ يُحْرِمْ، وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيمِ لِلْكَيْفِيَّةِ فِي التَّلْبِيَةِ عَنْ الْغَيْرِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ وَبِهِ نَقُولُ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوَّلًا. وَالِاخْتِلَافُ فِي هَذَا نَظِيرِ الِاخْتِلَافِ فِي الصَّرُورَةِ إذَا حَجَّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ عِنْدَنَا حَجُّهُ يَكُونُ نَفْلًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّيَادَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَصْلِ، وَإِذَا لَغَتْ نِيَّةُ النَّفْلِ يَبْقَى مُطْلَقُ نِيَّةِ الْحَجِّ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ يَتَأَدَّى الْفَرْضُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ نَوْعُ سَفَهٍ قَبْلَ أَدَاءِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالسَّفِيهُ مُسْتَحِقُّ الْحَجْرِ فَجَعَلَ نِيَّةَ النَّفْلِ لَغْوًا تَحْقِيقِيًّا لِمَعْنَى الْحَجْرِ فَيَبْقَى مُطْلَقُ النِّيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَأَدَّى حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَمَا فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ فَبِنِيَّةِ النَّفْلِ أَوْلَى.

وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ أَدَاءِ الْفَرْضِ فِي الْحَجِّ يَتَّسِعُ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَتَأَدَّى الْفَرْضُ مِنْهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ كَالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ عِنْدَنَا، وَوَقْتُ أَدَاءِ الصَّوْمِ لَا يَتَّسِعُ لِأَدَاءِ النَّفْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ مَعْلُومَةٌ بِالْأَفْعَالِ لَا بِالْوَقْتِ فَكَانَ الْوَقْتُ ظَرْفًا لَهُ لَا مِعْيَارًا، وَفِي مِثْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>