للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَوْكِيلَ الْمَطْلُوبِ بَعْدَ قَبُولِ الْوَكَالَةِ مُجْبِرٌ عَلَى جَوَابِ الْخَصْمِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الطَّالِبِ، فَإِنَّا لَوْ لَمْ نُجْبِرْهُ عَلَى ذَلِكَ - وَقَدْ غَابَ الْمَطْلُوبُ - تَضَرَّرَ الْمُدَّعِي بِتَعَذُّرِ إثْبَاتِ حَقِّهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّمَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ مُلْزِمٌ إيَّاهُ فَقُبِلَتْ الشَّهَادَةُ، وَأَنْ يُشْهِدَ عَلَى قَبُولِهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ مِنْ التَّوْكِيلِ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَوْ عَايَنَ تَوْكِيلَ الْمَطْلُوبِ إيَّاهُ كَانَ هُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ رَدَّ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُلْزِمَ غَيْرَهُ شَيْئًا بِدُونِ رِضَاهُ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَلَوْ لَمْ نُجْبِرْهُ عَلَى الْجَوَابِ هُنَا لَا يَلْحَقُ الْمُدَّعِيَ ضَرَرٌ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ، وَإِنَّمَا يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِتَرْكِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فَأَمَّا بَعْدَ الْقَبُولِ فَلَوْ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى الْجَوَابِ تَضَرَّرَ الطَّالِبُ بِمَعْنَى مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْمَطْلُوبَ اعْتِمَادًا عَلَى قَبُولِ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ.

وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ عَلَى تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَإِنَّ الْوَكَالَةَ مَتَى ثَبَتَتْ اسْتَفَادَ الْمَطْلُوبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ حَقِّهِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ إلَى الْوَكِيلِ، وَكَانَ الْمَقْبُوضُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْوَكِيلِ، إذَا هَلَكَ ضَاعَ حَقُّ الْمُسْلِمِ، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا تَكُونُ حُجَّةً فِي إلْزَامِ شَيْءٍ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ ذِمِّيًّا وَالْوَكِيلُ مُسْلِمًا وَالْمَطْلُوبُ ذِمِّيًّا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى الذِّمِّيِّ، فَإِنَّهَا تُلْزِمُ الْمَطْلُوبَ دَفْعَ الْمَالِ وَهُوَ ذِمِّيٌّ، وَيَبْرَأُ بِهَذَا الدَّفْعِ عَنْ حَقِّ الطَّالِبِ وَهُوَ ذِمِّيٌّ، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ حُجَّةٌ عَلَى الذِّمِّيِّ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لِلْوَكَالَةِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهَا إلْزَامَ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمَطْلُوبِ، فَيُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْوَكِيلِ مَتَى ثَبَتَتْ الْوَكَالَةُ.

وَشَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا تَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِلْزَامِ فِيهَا عَلَى الطَّالِبِ.

فَأَمَّا الْإِلْزَامُ عَلَى الطَّالِبِ فَقَدْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ - وَإِنْ لَمْ تَقُمْ - كَانَ هُوَ مُجْبَرًا عَلَى دَفْعِ الْمَالِ إلَى الْوَكِيلِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ بَرَاءَتُهُ عَنْ حَقِّ الطَّالِبِ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ، وَالطَّالِبُ ذِمِّيٌّ

وَإِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ غَائِبًا فَادَّعَى الطَّالِبُ فِي دَارِهِ دَعْوَى، وَنَفَاهَا الْمَطْلُوبُ فَشَهِدَ ابْنَا الْمَطْلُوبِ: أَنَّهُ قَدْ وَكَّلَ هَذَا الْوَكِيلَ بِخُصُومَتِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَالْوَكِيلُ يَجْحَدُ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا، فَإِنَّهُمَا يَثْبُتَانِ بِشَهَادَتِهِمَا نَائِبًا عَنْ أَبِيهِمَا لِيُخَاصِمَ الطَّالِبَ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ حُجَّةً لِلدَّفْعِ فَيُقَرَّرَ بِهِ مِلْكُ أَبِيهِمَا، وَشَهَادَةُ الْوَلَدِ لَا تُقْبَلُ لِأَبِيهِ، قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الطَّالِبُ يَجْحَدُ الْوَكَالَةَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إنْ كَانَ جَاحِدًا لِلْوَكَالَةِ فَلَيْسَ هُنَا مَنْ يَدَّعِيهَا، وَبِدُونِ الدَّعْوَى لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ مُدَّعِيًا لِلْوَكَالَةِ فَالطَّالِبُ لَا يَكُونُ مُجْبَرًا عَلَى الدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ وَكِيلًا، كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّعْوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>