للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِهِ فِي نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ حُرٌّ وَمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَبْدٌ جُعِلَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الصَّبِيِّ، وَإِذَا وَجَبَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ إذَا ادَّعَى حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ وَجَبَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ فِي ضِدِّهِ أَيْضًا كَمَا أَنَّهُ أَيْضًا لَمَّا اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ وَاعْتِقَادُهُ إذَا أَسْلَمَ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ إذَا ارْتَدَّ أَيْضًا، وَلِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ يَنْفَعُهُ عَاجِلًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى مَوْلَاهُ، وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالرِّقِّ سُكُوتٌ مِنْهُ عَنْ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لَا مَحَالَةَ وَانْقِيَادٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى يُثْبِتَ عَلَيْهِ يَدَهُ، وَإِذَا ثَبَتَتْ عَلَيْهِ يَدُهُ، وَهُوَ يَدَّعِي رِقِّيَّتَهُ وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ كَمَا إذَا كَانَ صَبِيًّا لَا يَعْقِلُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ حُرَّ الْأَصْلِ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ مُكَذَّبٌ فِيهِ شَرْعًا بِاعْتِبَارِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ هَذَا إبْطَالًا لِحُرِّيَّتِهِ وَإِيجَابًا لِلرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُعْتِقًا لِرَجُلٍ فَأَقَرَّ بِالرِّقِّ لِآخَرَ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لِأَنَّ وَلَاءَهُ ثَابِتٌ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ وَمَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ إنْسَانٍ إذَا أَقَرَّ بِالنَّسَبِ لِغَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَلِكَ هُنَا قَالَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ الْمَانِعُ حَقَّهُ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ تَصْدِيقِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّ هُنَاكَ صَاحِبُ النَّسَبِ الْمَعْرُوفِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْوَلَاءِ فَإِنَّ الْمُعْتَقَةَ إذَا ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ فَسُبِيَتْ فَأُعْتِقَتْ كَانَ الْوَلَاءُ عَلَيْهَا لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَتَصْدِيقُ الْمُعْتَقِ الْأَوَّلِ هُنَا عَامِلٌ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ فَكَانَ مَمْلُوكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ.

وَإِذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَأَقَرَّ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِآخَرَ، وَقَالَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ أَنْتَ عَبْدِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ حِينَ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ ذِي الْيَدِ لِاسْتِحْقَاقِهِ رَقَبَتَهُ بِيَدِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي يَدِ أَحَدٍ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ لِأَحَدٍ فِيهِ فَهُوَ بِإِقْرَارِهِ لِأَحَدِهِمَا يَصِيرُ مُنْقَادًا لَهُ فَتَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَيَكُونُ فِي الْحُكْمِ كُلِّهِ فِي يَدِهِ فَيُجْعَلُ مَمْلُوكًا لَهُ.

وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ قَصَّارٍ أَوْ فِي مَكْتَبٍ، فَقَالَ أَنْتَ عَبْدِي، وَقَالَ الْعَبْدُ بَلْ أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ أَسْلَمَنِي إلَيْكَ وَادَّعَاهُ فُلَانٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَصَّارِ وَصَاحِبُ الْمَكْتَبِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ حِينَ أَقَرَّ بِالرِّقِّ فَقَدْ سَقَطَ اعْتِبَارُ يَدِهِ فِي نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْمِلْكِ قَوْلَ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنَا حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يُقِرَّ بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ فَبَقِيَتْ يَدُهُ فِي نَفْسِهِ مُعْتَبَرَةً وَهِيَ أَقْرَبُ الْأَيْدِي إلَيْهِ فَلَا تَظْهَرُ مَعَ ذَلِكَ يَدُ ذِي الْيَدِ فِيهِ.

وَإِذَا كَانَتْ أَمَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَقَالَتْ أَنَا أُمُّ وَلَدٍ لِفُلَانٍ أَوْ مُكَاتَبَتُهُ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ وَصَدَّقَهَا فُلَانٌ، وَقَالَ ذُو الْيَدِ بَلْ أَنْتِ أَمَةٌ لِي فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ، وَعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>