للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ فَهُوَ جَائِزٌ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْلُومٌ بِالْعُرْفِ فَإِنَّمَا يُسْتَأْجَرُ الدَّارُ لِلسُّكْنَى وَيُبْنَى لِذَلِكَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهَا تُسَمَّى مَسْكَنًا وَالْمَعْلُومُ بِالْعُرْفِ كَالْمَشْرُوطِ بِالنَّصِّ وَلَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا وَيُسْكِنَهَا مَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لَا تَتَفَاوَتُ فِيهَا النَّاسُ وَلِأَنَّ سُكْنَاهُ لَا تَكُونُ إلَّا بِعِيَالِهِ وَأَوْلَادِهِ وَمَنْ يَعُولُهُمْ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ وَكَثْرَةُ الْمَسَاكِنِ فِي الدَّارِ لَا تَضُرُّ بِهَا بَلْ تَزِيدُ فِي عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّ خَرَابَ الْمَسْكَنِ بِأَنْ لَا يَسْكُنَهُ أَحَدٌ وَلَهُ أَنْ يَضَعَ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ وَالْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْعُرْفِ وَيَعْمَلُ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْأَعْمَالِ يَعْنِي الْوُضُوءَ وَغَسْلَ الثِّيَابِ وَكَسْرَ الْحَطَبِ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهُ لَا تَخْلُو عَنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ عَادَةً فَهِيَ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى وَالْمُعْتَادُ مِنْهُ لَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ مَا خَلَا الرَّحَا أَنْ يُنْصَبَ فِيهِ أَوْ الْحَدَّادَ أَوْ الْقَصَّارَ فَإِنَّ هَذَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ إلَّا بِرِضَاءِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ وَالْمُرَادُ رَحَا الْمَاءِ أَوْ رَحَا الثَّوْرِ، فَأَمَّا رَحَا الْيَدِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَنْصِبَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى فِي الْعَادَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يُفْسِدُ الْبِنَاءَ أَوْ يُوهِنُهُ فَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا لِلْمُسْتَأْجِرِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ وَمَا لَا يُفْسِدُ الْبِنَاءَ فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى الَّتِي لَا تُوهِنُ الْبِنَاءَ بِمَنْزِلَةِ صِفَةِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ فَيَسْتَحِقُّهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَمَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ بِمَنْزِلَةِ صِفَةِ الْجَوْدَةِ أَوْ الْكِتْبَةِ أَوْ الْخَبْزِ فِي الْمَبِيعِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا إلَّا بِالشَّرْطِ، وَعَلَى هَذَا كَسْرُ الْحَطَبِ بِالْقَدْرِ الْمُعْتَادِ مِنْهُ لَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ بِحَيْثُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ إلَّا بِرِضَاءِ صَاحِبِ الدَّارِ.

، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِلسُّكْنَى كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَلَهُ أَنْ يَرْبِطَ فِيهِ دَابَّتَهُ وَبَعِيرَهُ وَشَاتَهُ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِذَلِكَ وَهُوَ الْمَرْبِطُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَيْسَ لَهُ اتِّخَاذُ الْمَرْبِطِ فِي دِيَارِنَا؛ لِأَنَّ الْمَنَازِلَ بِبُخَارَى تَضِيقُ عَنْ سُكْنَى النَّاسِ فَكَيْف تَتَّسِعُ لِإِدْخَالِ الدَّوَابِّ فِيهَا وَإِنَّمَا هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى عُرْفِهِمْ فِي الْكُوفَةِ لِمَا فِي الْمَنَازِلِ بِهَا مِنْ السَّعَةِ وَلَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا مَنْ أَحَبَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْتِيهِ ضَيْفٌ فَيَسْكُنُ مَعَهُ أَيَّامًا وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُسْكِنَهَا صَدِيقًا لَهُ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، فَإِنْ أَجَّرَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهَا بِهِ تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلَحَ مِنْهَا بِنَاءً أَوْ زَادَ فِيهَا شَيْئًا فَحِينَئِذٍ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ الْمَوْجُودَةِ حُكْمًا فَتَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْعَقْدِ مُسَلَّمَةً إلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الدَّارِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ فَالرِّبْحُ يَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ عَلَى مِلْكِ حَلَالٍ لَهُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمَنَافِعُ لَمْ تَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ، وَإِنْ قَبَضَ الدَّارَ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>