لَا تَكُونُ قِيَاسَ النَّفَقَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَأُجْرَةَ الطَّبِيبِ، وَثَمَنَ الدَّوَاءِ إذَا مَرِضَتْ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا، لَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ وَالدَّيْنِ سَوَاءً، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَالْمُعَالَجَةُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِحِسَابِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَقَدُّرَ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ أَمَانَةٌ، وَمُعَالَجَةُ الْأَمَانَةِ عَلَى صَاحِبِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِالْإِصْلَاحِ يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ فِي الْمَضْمُونِ مِنْهُ، وَفِي الْأَمَانَةِ الْمَنْفَعَةُ لِلرَّاهِنِ وَهُوَ نَظِيرُ الْفِدَاءِ مِنْ الْجِنَايَةِ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْ الرَّهْنِ وَالْفِدَاءُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَبِقَدْرِ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَنُقْصَانِ السِّعْرِ، وَزِيَادَتِهِ لَا يُغَيَّرُ حُكْمُ الرَّهْنِ، وَالِاعْتِبَارُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ رُهِنَ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ السِّعْرِ، لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَيْنِ، إنَّمَا هُوَ مَنُوطٌ بِرَغَائِبِ النَّاسِ فِيهِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، وَالْأَمْكِنَةِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ تَوْضِيحُهُ: أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي ضَمَانِ الْعُقُودِ، كَالْمَبِيعِ، فَإِنَّ نُقْصَانَ سِعْرِهِ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرَى، وَكَذَلِكَ ضَمَانُ الْمَقْبُوضِ كَالْمَغْصُوبِ، فَنُقْصَانُ سِعْرِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا يُلْزِمُهُ شَيْئًا مِنْ الضَّمَانِ، وَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الضَّامِنَيْنِ.
وَعَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ بِقَدْرِ مَا يَنْتَقِصُ مِنْ سِعْرِ الْمَرْهُونِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ وَقَاسَ ذَلِكَ بِنُقْصَانِ الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الضَّمَانَ الثَّابِتَ بِالرَّهْنِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَإِنَّ ضَمَانَ الِاسْتِيفَاءِ، وَالْمَالِيَّةِ يُنْتَقَصُ بِنُقْصَانِ السِّعْرِ، كَمَا يُنْتَقَصُ بِنُقْصَانِ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الضَّمَانَاتِ، فَضَمَانُ الْغَصْبِ ضَمَانُ الْعَيْنِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ بِهِ، وَكَذَلِكَ ضَمَانُ الْبَيْعِ، وَنُقْصَانُ السِّعْرِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَيْنِ.
وَإِنْ ذَهَبَتْ عَيْنُ الدَّابَّةِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَقِيمَتُهَا مِثْلُ الدَّيْنِ سَقَطَ رُبْعُ الدَّيْنِ لِحَدِيثِ " زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبْعُ قِيمَتِهَا " يَعْنِي: إذَا فُقِئَتْ، وَهَذَا بِخِلَافِ عَيْنِ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّ بِذَهَابِ عَيْنِهِ يَسْقُطُ نِصْفُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالدَّوَابِّ مِنْ حَيْثُ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ، وَذَلِكَ يَمَسُّهَا، وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ بِأَنْ تَمْشِيَ بِقَوَائِمِهَا، وَتُبْصِرَ بَدَلُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَحِصَّةُ الْعَيْنَيْنِ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفُ، فَبِفَوَاتِ أَحَدِهِمَا يَذْهَبُ الرُّبُعُ.
وَأَمَّا الْبَصَرُ فِي الْآدَمِيِّ فَمَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ، وَالْبَطْشُ كَذَلِكَ، وَالْمَشْيُ كَذَلِكَ، فَيُجْعَلُ كُلُّ جِنْسٍ بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ، فَبِذَهَابِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ يَجْعَلُ نِصْفَ النَّفْسِ كَالْفَائِتِ حُكْمًا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَبَنُ النَّاقَةِ رَهْنٌ مَعَهَا، وَكَذَلِكَ أَصْوَافُ الْغَنَمِ، وَأَسْمَانُهَا، وَأَوْلَادُهَا، وَثَمَرَةُ الْأَشْجَارِ، وَمَا يَنْبُتُ مِنْ الْأَشْجَارِ فِي أَرْضِ الرَّهْنِ رَهْنٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مُسْتَوْلَدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ مَا عَلَى الْأَرْضِ، وَالدَّارُ تُؤَاجَرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُتَوَلَّدٍ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمِ الرَّهْنِ، وَإِنْ هَلَكَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لِانْعِدَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute