اسْتَوْفَى الْمَوْلَى صَدَاقَهَا أُمِرَ الْمَوْلَى أَنْ يُدْخِلَهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُبَوِّئَهَا مَعَهُ بَيْتًا؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهَا حَقُّ الْمَوْلَى، فَلَا تَقَعُ الْحَيْلُولَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ، وَلَكِنَّهَا تَخْدُمُ الْمَوْلَى فِي بَيْتِهِ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ مِنْ قَبْلُ.
وَمَتَى مَا وَجَدَ الزَّوْجُ مِنْهَا خَلْوَةً أَوْ فَرَاغًا قَضَى حَاجَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى قَتَلَهَا مَوْلَاهَا فَعَلَيْهِ رَدُّ جَمِيعِ الصَّدَاقِ عَلَى الزَّوْجِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضْ الصَّدَاقَ سَقَطَ جَمِيعُ حَقِّهِ عَنْ الزَّوْجِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقَتْلَ مَوْتٌ بِأَجَلٍ فَيَتَقَرَّرُ بِهِ جَمِيعُ الصَّدَاقِ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا غَيْرُ الْمَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ بِالْمَوْتِ تَنْتَهِي مُدَّةُ النِّكَاحِ، فَإِنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ فَبِمُضِيِّ مُدَّتِهِ يَنْتَهِي الْعَقْدُ، وَانْتِهَاءُ الْعَقْدِ مُوجِبٌ تَقْرِيرَ الْبَدَلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرِثُ مِنْ صَاحِبِهِ حَتَّى لَوْ جَرَحَهَا الْمَوْلَى ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَاكْتَسَبَتْ مَالًا ثُمَّ مَاتَتْ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرِثُهَا، وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ أَيْضًا، وَالتَّوْرِيثُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ انْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، وَسُقُوطُ الْمَهْرِ مِنْ حُكْمِ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي الْبَدَلِ اكْتَسَبَ سَبَبَ فَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَتْلَ مَوْتٌ كَمَا قَالَ، وَلَكِنْ يَتَضَمَّنُ فَوَاتَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الَّذِي اكْتَسَبَ سَبَبَهُ يُجْعَلُ التَّفْوِيتُ مُحَالًا بِهِ إلَيْهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعَ يَسْقُطُ جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَتْلَ فِي الْحَقِيقَةِ مَوْتٌ بِأَجَلٍ، وَلَكِنْ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ جُعِلَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كَأَنَّهُ غَيْرُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقِصَاصُ وَالْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ إنْ كَانَ خَطَأً، وَمَنْ ذَبَحَ شَاةَ إنْسَانٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يَكُونُ ضَامِنًا وَبِاعْتِبَارِ مَوْتِهِ هُوَ مُحْسِنٌ إلَى صَاحِبِ الشَّاةِ فِيمَا صَنَعَهُ غَيْرُ مُتْلِفٍ عَلَيْهِ شَيْئًا، تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ غَيَّبَ أَمَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الزَّوْجَ بِصَدَاقِهَا، فَإِذَا أَتْلَفَهَا أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِصَدَاقِهَا، وَهَذَا الْكَلَامُ يَتَّضِحُ فِيمَا إذَا بَاعَهَا فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الزَّوْجُ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَمَا إذَا غَيَّبَهَا مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ، أَمَّا الْمِيرَاثُ فَنَقُولُ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ مَوْتٌ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ إتْلَافًا فِي حَقِّ الْقَاتِلِ، وَالْمِيرَاثُ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ، بَلْ ذَلِكَ شَيْءٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ، وَفِيمَا بَيْنَهُمَا هَذَا مَوْتٌ مُنْهٍ لِلنِّكَاحِ
، وَلَوْ قَتَلَتْ الْحُرَّةُ الْمَنْكُوحَةُ نَفْسَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute