الْحَاجَةَ هُنَاكَ إلَى التَّرْجِيحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ مَائِهِ يُوجِبُ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ، وَاعْتِبَارُ جَانِبِ مَائِهَا يُوجِبُ رِقَّ الْوَلَدِ فَجَعَلْنَا الْغُرُورَ دَلِيلًا مُرَجِّحًا، وَهُنَا الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ دُونَ التَّرْجِيحِ، وَمَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لَا يَصْلُحُ مُوجِبًا، تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ هُنَاكَ ثَبَتَ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ بِضَمَانِ قِيمَتِهِ عَلَى الْأَبِ فِي الْحَالِ فَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ بِهِ عَنْهُ، وَهُنَا لَوْ ثَبَتَ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِضَمَانِ قِيمَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْتَحِقُّ فِي الْحَالِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ وَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْأَصْلِ فَكَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ التَّزَوُّجُ مِنْ هَؤُلَاءِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَعَلَيْهِمْ قِيمَةُ الْوَلَدِ وَالْمَهْرُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّد فَعَلَيْهِمْ قِيمَةُ الْوَلَدِ وَالْمَهْرُ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ وَجَبَ عَلَى الْمَمْلُوكِ بِسَبَبٍ مَأْذُونٍ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَكُلُّ دَيْنٍ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ.
(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا أَمَةٌ أَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَلَمْ يَغُرَّهُ فِيهَا أَحَدٌ فَأَوْلَادُهُ أَرِقَّاءُ؛ لِأَنَّ هَذَا ظَنٌّ مِنْهُ وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا، وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ لِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ الْغُرُورُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْغُرُورُ هُنَا، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا مِنْ رَجُلٍ وَدَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا فَلِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَ النِّكَاحَ؛ لِأَنَّ الْمُزَوِّجَ لَا يَمْلِكُ إلَّا نِصْفَهَا، وَمِلْكُ نِصْفِ الْأَمَةِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ، فَلَمْ يَنْفُذْ عَقْدُهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ تَنَاوَلَ عَقْدُهُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الزَّوْجِ لِشُبْهَةِ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْمَهْرُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ فِي نَصِيبِ الْمُزَوِّجِ يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْمُسَمَّى، وَمِنْ نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ رَاضٍ بِالْمُسَمَّى وَرِضَاهُ صَحِيحٌ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ، فَأَمَّا فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ يَجِبُ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ إبْطَالُ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا مَهْرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ خَلَا بِهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَخْلُ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا الْعَقْدُ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، فَلَا تُعْتَبَرُ الْخَلْوَةُ فِيهِ.
(قَالَ:) وَإِذَا زَوَّجَ أَمَةَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا زَوَّجَ أَمَةَ الْيَتِيمِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُفَاوَضُ إذَا زَوَّجَ أَمَةً مِنْ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ مِنْ عُقُودِ الِاكْتِسَابِ، فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ بِهِ الْمَهْرَ وَيَسْقُطُ بِهِ نَفَقَتُهَا عَنْهُ، وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ يَمْلِكُونَ الِاكْتِسَابَ، أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَهُوَ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي اكْتِسَابِ الْمَالِ، وَأَمَّا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ، فَإِنَّهُمَا أُمِرَا بِالنَّظَرِ لِلصَّغِيرِ، وَعَقْدُ اكْتِسَابِ الْمَالِ مِنْ النَّظَرِ، وَأَمَّا الْمُفَاوَضُ فَإِنَّ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إنَّمَا عَقَدَا الْمُفَاوَضَةَ لِاكْتِسَابِ الْمَالِ، وَلَا يَمْلِكُ هَؤُلَاءِ تَزْوِيجَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute