للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، وَلَا يَحِلُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحِلُّ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ يَثْبُتُ بِطَرِيقَيْنِ إمَّا عَقْدُ النِّكَاحِ أَوْ التَّسَرِّي، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ بِأَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ وَهُوَ النِّكَاحُ فَكَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ الْآخَرِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ الَّذِي يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ أَقْوَى مِمَّا يَثْبُتُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ لَهُ وَلَا مَمْلُوكَةٍ لَهُ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا يَحِلُّ فَرْجُ مَمْلُوكَةٍ إلَّا لِمَنْ إذَا أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ جَازَ، وَالْعَبْدُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ وَلَا هِبَتُهُ، فَلَا يَحِلُّ الْفَرْجُ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ مَالًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَالِ لِمَا بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّة مِنْ الْمُنَافَاةِ، وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ سَبَبِهِ، فَإِذَا كَانَ سَبَبُهُ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ حُكْمُهُ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِمِلْكِ الْمَالِ قَبْلَ إذْنِ الْمَوْلَى، وَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِذْنِ فِي جَعْلِ مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَهْلًا، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ إذْنِ الْمَوْلَى فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ عِنْدَ قِيَامِ أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْعَلَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّة مُنَافَاةٌ، وَلَكِنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ أَهْلًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ بِسَبَبِ النِّكَاحِ لِضَرُورَةِ حَاجَتِهِ إلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِبْقَاءِ النَّسْلِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ بِثُبُوتِ الْحِلِّ لَهُ بِالنِّكَاحِ، فَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى أَنْ نَجْعَلَهُ أَهْلًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُسْتَسْعَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَالْمُكَاتَبِ.

(قَالَ:) وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ زَوَّجَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ إنَّمَا تُسْتَفَادُ بِمِلْكِ رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَالِكٍ لِمَا يُسَمَّى عَبْدًا.

(قَالَ:) وَلَا يَحِلُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَوْلَاتَهُ وَلَا امْرَأَةً لَهَا فِي رَقَبَتِهِ شِقْصٌ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ نُفَاةِ الْقِيَاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أُمَّتَهُ أَوْ أَمَةً لَهُ فِيهَا شِقْصٌ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَاسْتَدَلُّوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] وَبِقَوْلِهِ: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] الْآيَةَ، فَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَوَالِيَ بِإِنْكَاحِ الْإِمَاءِ لَا بِنِكَاحِهِنَّ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا تَزَوَّجَ بِمَوْلَاتِهِ فَهِيَ تَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهَا النَّفَقَةَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَيَتَقَاصَّانِ وَيَمُوتَانِ جُوعًا، وَفِي هَذَا مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى، وَالْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَتَهُ، فَهَذَا الْعَقْدُ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ النِّكَاحِ مِلْكُ الْحِلِّ، وَمَحَلُّ الْحِلِّ ثَابِتٌ لَهُ تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا شُرِعَ فِي الْأَصْلِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَعِنْدَ مِلْكِهِ رَقَبَتَهَا لَا حَاجَةَ فَلَمْ يَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>