للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الَّتِي تُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْكِتَابِيَّةَ مُحْصَنَةٌ، وَأَنَّهَا تُرْجَمُ إذَا زَنَتْ، وَقِيلَ: بَلْ هِيَ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، فَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ، وَعَلَى الْمُسْلِمَةِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ بِدَلِيلِ جَوَازِ نِكَاحِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَالْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ وَوِلَايَةِ الْمُبَاشَرَةِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهَا، فَكَمَا يَصِيرُ مُحْصَنًا بِالدُّخُولِ بِالْمُسْلِمَةِ، فَكَذَلِكَ بِالْكِتَابِيَّةِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُرَّةِ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ بَلْ حَالُهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَالِ الْحُرَّةِ، وَبِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ، فَإِنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ فِي وِلَايَةِ الْمُبَاشَرَةِ، وَفِي مَعْنَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ لِمَا فِي طَبْعِهِ مِنْ النُّفْرَةِ عَنْ الْمَجْنُونَةِ، وَحُجَّتُهُمَا مَا رَوَيْنَا، وَكَذَلِكَ لَمَّا «أَرَادَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَتَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعْهَا فَإِنَّهَا لَا تُحْصِنُكَ» وَلَمَّا أَرَادَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَتَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً قَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعْهَا فَإِنَّهَا لَا تُحْصِنُكَ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ فَإِذَا كَانَ الْإِحْصَانُ لَا يَثْبُتُ بِوَطْءِ الْأَمَةِ بِالنِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ فَلَأَنْ لَا يَثْبُتَ بِوَطْءِ الْكَافِرَةِ أَوْلَى، وَهَذَا لِأَنَّ مَعْنَى الِازْدِوَاجِ لَا يَتِمُّ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ فَقَلَّ مَا يَرْكَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَى صَاحِبِهِ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ لَا يَصِيرَانِ مُحْصَنَيْنِ بِالدُّخُولِ، وَمَعْنَى الْمُسَاوَاةِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ هُنَاكَ فَلَأَنْ لَا يَثْبُتَ هُنَا كَانَ أَوْلَى

وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمَةُ لَا يُحْصِنُهَا الزَّوْجُ إذَا كَانَ كَافِرًا بِأَنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الْكَافِرُ قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ تَصِرْ هِيَ بِهَذَا الدُّخُولِ مُحْصَنَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ لَا يُحْصِنُهَا الْعَبْدُ وَالْمَجْنُونُ وَغَيْرُ الْبَالِغِ اعْتِبَارًا لِجَانِبِهَا بِجَانِبِهِ، فَإِنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الْحَالِ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِوَطْءٍ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِ نِعْمَةً كَامِلَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ.

(قَالَ:) وَجِمَاعُ هَؤُلَاءِ يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ الَّذِي قَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى إنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا إذَا كَانَتْ ذِمِّيَّةً فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِهَذَا الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ بَيْنَهُمَا قَبْلَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَالدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ.

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا تَزَوَّجَهَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَدَخَلَ بِهَا حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ إصَابَةَ الزَّوْجِ الثَّانِي إنَّمَا كَانَ مَشْرُوعًا لِرَفْعِ الطَّلَقَاتِ مُغَايَظَةً لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِدُخُولِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ بِهَا كَمَا يَحْصُلُ بِدُخُولِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ بَلْ مَعْنَى الْمُغَايَظَةِ فِي هَذَا أَكْثَرُ، بِخِلَافِ الْإِحْصَانِ، فَإِنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>