للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيَانُ السَّابِقِ مِنْهُمَا إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ النَّاسِ بِهَا وَلِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ تَصْدِيقُهُ إحْدَاهُمَا يُرَجِّحُ بَيِّنَتَهَا، فَإِذَا ظَهَرَ الرُّجْحَانُ فِي بَيِّنَةِ إحْدَاهُمَا قَضَى بِنِكَاحِهَا وَانْدَفَعَتْ بَيِّنَةُ الْأُخْرَى، وَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَإِنْ جَحَدَ الزَّوْجُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَقَالَ: لَمْ أَتَزَوَّجْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُهُمَا جَمِيعًا، وَلَا أَدْرَى أَيَّتَهُمَا الْأُولَى فَهُوَ سَوَاءٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَلَا تَرْجِيحَ لِإِحْدَاهُمَا فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُبَيِّنَ، فَإِذَا تَجَاهَلَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْمَهْرِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا صَحِيحٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ الزَّوْجُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْأُولَى حَكَمْنَا بِصِحَّةِ نِكَاحِهَا، فَإِذَا أَبَى أَنْ يُبَيِّنَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ اكْتِسَابِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، فَلِهَذَا كَانَ نِصْفُ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ قَالَ: جَمَعَ فِي السُّؤَالِ بَيْنَ فَصْلَيْنِ وَأَجَابَ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّ هَذَا الْجَوَابَ عَمَّا إذَا قَالَ: تَزَوَّجْتُهُمَا جَمِيعًا، وَلَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا الْأُولَى، أَمَّا إذَا قَالَ: لَمْ أَتَزَوَّجْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَيِّنَتَيْنِ تَعَذَّرَ لِلتَّعَارُضِ وَهُوَ مُنْكِرٌ، وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا جَوَابُ الْفَصْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي حُكْمِ الْحِلِّ دُونَ الْمَهْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَوْ قَامَتَا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ عُمِلَ بِهِمَا فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ وَالْمُعَارَضَةُ فِي حُكْمِ الْمَهْرِ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَكَانَ بَيْنَهُمَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَمَالِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ بِالْمَهْرِ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ، وَجَهَالَةُ الْمَقْضِيِّ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: يُقْضَى بِجَمِيعِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَرْتَفِعْ بِجُحُودِهِ فَيُقْضَى بِمَهْرٍ كَامِلٍ لِلَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا.

(قَالَ:) وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا كَانَ لَهَا الْمَهْرُ وَهِيَ امْرَأَتُهُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِهَا بِالدُّخُولِ، فَإِنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا عَلَى الْعَقْدِ تَتَرَجَّحُ إحْدَاهُمَا بِالْقَبْضِ كَمَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ تَلَقِّي الْمِلْكَ فِي عَيْنٍ مِنْ ثَالِثٍ بِالشِّرَاءِ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْحِلِّ مَا أَمْكَنَ، وَالْإِمْكَانُ ثَابِتٌ هُنَا بِأَنْ يَجْعَلَ نِكَاحَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا سَابِقًا، فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: هِيَ الْأَخِيرَةُ وَتِلْكَ الْأُولَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِإِقْرَارِهِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اكْتِسَابِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>