أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ حُدُوثُ مِلْكِ الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ يَجِبُ وَهُنَا سَبَبُ وُجُوبِ الْمُدَّةِ زَوَالُ الْفِرَاشِ، وَالْعِدَّةُ الَّتِي تَجِبُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَ الْمَوْلَى أُخْتَهَا فِي عِدَّتِهَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَجَازَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا فِي عِدَّتِهَا جَازَ عِنْدَنَا وَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهُنَّ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، فَلَا يَتَزَوَّجُ أُخْتَهَا، وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا كَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ أَصْلَ فِرَاشِهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ مَا كَانَ مُوجِبًا لِلْحِلِّ لَهُ، وَأَصْلُ الْفِرَاشِ هُنَا مُوجِبُ الْحِلِّ، ثُمَّ الْعِدَّةُ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْفِرَاشِ هُنَاكَ تَمْنَعُ نِكَاحَ الْأُخْتِ وَالْأَرْبَعَ فَهُنَا أَوْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - قَالَا: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ أَثَرُ فِرَاشِهَا وَأَثَرُ الشَّيْءِ لَا يَرْبُو عَلَى أَثَرِ أَصْلِهِ فِي الْمَنْعِ، فَإِذَا كَانَ أَصْلُ فِرَاشِهَا لَا يَمْنَعُ الْمَوْلَى مِنْ نِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا فَكَذَلِكَ أَثَرُ فِرَاشِهَا، وَأَصْلُ الْفِرَاشِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ بَعْدَ الدُّخُولِ يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأُخْتِ وَالْأَرْبَعِ، فَكَذَلِكَ أَثَرُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ الْمَنْعِ مَا كَانَ ثَابِتًا لَا أَنْ يَثْبُتَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، وَهَذَا بِخِلَافِ تَزْوِيجِهَا مِنْ الْغَيْرِ، فَإِنَّ أَصْلَ فِرَاشِهَا مَانِعٌ مِنْ التَّزْوِيجِ مِنْ الْغَيْرِ إذَا بَقِيَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَامِلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ أَثَرُ فِرَاشِهَا يَمْنَعُ، إلَّا إنَّهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَهُ أَنْ يَقْطَعَ فِرَاشَهَا بِالتَّزْوِيجِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ عِدَّتَهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ بِسَبَبِ بَقَاءِ الْعِدَّةِ يَبْقَى الْفِرَاشُ، حَتَّى إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ، فَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا صَارَ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْفِرَاشِ وَذَلِكَ حَرَامٌ، وَإِذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا صَارَ جَامِعًا بَيْنَ خَمْسِ نِسْوَةٍ فِي الْفِرَاشِ وَلَكِنْ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفِينَ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لَهُ أَنْ يَسْتَوْلِدَ مِنْ الْجَوَارِي مَا شَاءَ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ فِرَاشَهَا بِالْعِتْقِ يَتَقَوَّى حَتَّى يَثْبُتَ النَّسَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا فَكُلُّ مَنْعٍ كَانَ ثَابِتًا فِي أَصْلِ فِرَاشِهَا يَتَقَوَّى ذَلِكَ بِعِتْقِهَا وَالْمَنْعُ مِنْ اسْتِفْرَاشِ الْأُخْتِ كَانَ ثَابِتًا فِي أَصْلِ فِرَاشِهَا حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا يَمْلِكُ النِّكَاحَ فَيَتَقَوَّى ذَلِكَ الْمَنْعُ بِالْعِتْقِ فَيَمْنَعُ عَقْدَ النِّكَاحِ أَصْلًا، وَلَمْ يَكُنْ هُوَ فِي أَصْلِ فِرَاشِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute