للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غَابَ أَوْ حُبِسَ لِلنَّفَقَةِ عَلَيْهَا فَاسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ تَسْتَدِنْ أَخَذَتْهُ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى؛ لِأَنَّ حَقَّهَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، أَوْ بِالصُّلْحِ عَنْ تَرَاضٍ؛ فَإِنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الِالْتِزَامِ فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَاضِي فِي الْإِلْزَامِ وَذُكِرَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَدَانَتْ عَلَى زَوْجِهَا وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنَّمَا اسْتَدَانَتْ عَلَى نَفْسِهَا. وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ إذَا لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ، أَوْ فَرَضَ لَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى زَوْجِهَا، فَأَمَّا إذَا أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ فَذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَأَمْرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ كَأَمْرِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ. (قَالَ:) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا أُجِيزُ الْفَرْضَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ غَائِبًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ غَائِبًا إلْزَامٌ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ عَلَى الْغَائِبِ.

وَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَطَلَبَتْ أَنْ يَفْرِضَ لِلْوَلَدِ مَعَهَا نَفَقَةً فَرَضَ عَلَيْهِ لِلصِّغَارِ وَالنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ الزَّمْنَى، فَأَمَّا الَّذِينَ لَا زَمَانَةَ بِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ فَلَا نَفَقَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ بَلْ يُؤْمَرُونَ بِالِاكْتِسَابِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. فَأَمَّا مَنْ كَانَ زَمِنًا مِنْهُمْ فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الِاكْتِسَابِ. وَبِالنِّسَاءِ عَجْزٌ ظَاهِرٌ عَنْ الِاكْتِسَابِ. وَفِي أَمْرِهَا بِالِاكْتِسَابِ فِتْنَةٌ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أُمِرَتْ بِالِاكْتِسَابِ، اكْتَسَبَتْ بِفَرْجِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرَةِ وَنَفَقَتُهَا فِي صِغَرِهَا عَلَى الْوَالِدِ لِحَاجَتِهَا، فَكَذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ؛ لِأَنَّ بِبُلُوغِهَا تَزْدَادُ الْحَاجَةُ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» وَلِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّضَاعِ عَلَى الْوَالِدِ بِالنَّصِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] إلَى قَوْلِهِ {، وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: ٦] وَذَلِكَ حَاجَةُ الْوَلَدِ مَا دَامَ رَضِيعًا فَيَكُونُ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كِفَايَةَ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ مَا بَقِيَتْ حَاجَتُهُ، ثُمَّ يَدْفَعُ نَفَقَةَ الْكِبَارِ مِنْ الْوَلَدِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقُّهُمْ وَلَهُمْ أَهْلِيَّةُ اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِمْ، وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ. وَيَدْفَعُ نَفَقَةَ الصِّغَارِ إلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ فِي حِجْرِهَا وَهِيَ الَّتِي تُصْلِحُ لَهُ طَعَامَهُ، فَيَدْفَعُ نَفَقَتَهُ إلَيْهَا، ثُمَّ بَيَّنَ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ عَلَى الْمُعْسِرِ بِالدَّرَاهِمِ وَكِسْوَتَهُ بِالثِّيَابِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ، وَهَذَا أَظْهَرُ هُنَا فَإِنَّ الْحَاجَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سِنِّ الصَّغِيرِ فَلَا عِبْرَةَ بِالتَّقْدِيرِ اللَّازِمِ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا أُمِرَ بِأَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ فِيهِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَعْرُوفُ فِي ذَلِكَ كَمَا يُعْتَبَرُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ.

(قَالَ) وَإِذَا صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى نَفَقَةٍ لَا تَكْفِيهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ وَتُطَالِبَ بِالْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا. فَرِضَاهَا بِدُونِ الْكِفَايَةِ إسْقَاطٌ مِنْهَا لِحَقِّهَا قَبْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>