وَلِلَّذِي لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَتْك صَلَاتُك» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ بِالتَّيَمُّمِ وَانْصَرَفَ مِنْ ضَيْعَتِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَى أَبْيَاتٍ ثُمَّ دَخَلَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ إسْقَاطُ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَقَدْ حَصَلَ بِالْبَدَلِ فَلَا يَعُودُ إلَى ذِمَّتِهِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّ جَوَازَ الْإِحْجَاجِ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَهَا هُنَا جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِاعْتِبَارِ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَكَانَ مُتَحَقِّقًا حِينَ صَلَّى.
قَالَ (وَيَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَؤُمُّ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ وَلَا الْمُقَيَّدُ الْمُطْلَقِينَ وَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْمُتَيَمِّمِ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا يَؤُمُّ مَنْ لَا ضَرُورَةَ لَهُ كَصَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ لَا يَؤُمُّ الْأَصِحَّاءَ. وَهُمَا اسْتَدَلَّا بِحَدِيثِ «عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ فَلَمَّا انْصَرَفُوا سَأَلَهُمْ عَنْ سِيرَتِهِ فَقَالُوا كَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ وَلَكِنَّهُ صَلَّى بِنَا يَوْمًا وَهُوَ جُنُبٌ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ احْتَلَمَتْ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَخَشِيت الْهَلَاكَ إنْ اغْتَسَلْت فَتَلَوْت قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] فَتَيَمَّمْت وَصَلَّيْت بِهِمْ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَجْهِهِ وَقَالَ يَا لَك مِنْ فَقِهٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ صَاحِبُ بَدَلٍ صَحِيحٍ فَهُوَ كَالْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ يَؤُمُّ الْغَاسِلِينَ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَدَلَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَصْلِ بِخِلَافِ صَاحِبِ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَاحِبِ بَدَلٍ صَحِيحٍ.
قَالَ (وَالْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْمُحْدِثُ فِي التَّيَمُّمِ سَوَاءٌ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَرُوِيَ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَا تَذْكُرُ إذْ كُنْت مَعَك فِي الْإِبِلِ، فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ ثُمَّ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَصِرْت حِمَارًا أَمَا يَكْفِيك ضَرْبَتَانِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ فَقَالَ إنْ شِئْت فَلَا أَذْكُرُهُ أَبَدًا فَقَالَ عُمَرُ إنْ شِئْت فَاذْكُرْهُ وَإِنْ شِئْت فَلَا تَذْكُرْهُ وَلَمَّا ذُكِرَ لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدِيثُ عَمَّارٍ فَقَالَ لَمْ يَقْنَعْ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] فَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْمُرَادُ الْمَسُّ بِالْيَدِ فَجَوَّزَ التَّيَمُّمَ لِلْمُحْدِثِ خَاصَّةً وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْمُرَادُ الْمُجَامَعَةُ فَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ نَوْعَيْ الْحَدَثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute