فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» أَوْ كَرَاهَةُ إيقَاعِ الثَّلَاثِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ التَّلَافِي مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي حَقِّ الْعَجْلَانِيِّ لِأَنَّ بَابَ التَّلَافِي بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مُنْسَدٌّ مَا دَامَا مُصِرَّيْنِ عَلَى اللِّعَانِ وَالْعَجْلَانِيُّ كَانَ مُصِرًّا عَلَى اللِّعَانِ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَرَاهَةُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ طَلَّقُوا نِسَاءَهُمْ كَمَا أُمِرُوا لَمَا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَهُ إلَيْهَا حَاجَةٌ إنَّ أَحَدَكُمْ يَذْهَبُ فَيُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَعْصِرُ عَيْنَيْهِ مَهْلًا مَهْلًا بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِيكُمْ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ فَمَاذَا بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ إلَّا الضَّلَالُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا أَعْرِفُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا إنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً مَكْرُوهٌ إلَّا قَوْلَ ابْنِ سِيرِينَ وَأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَأَنَّ الْحَسَنَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا قَالَ لِشَهْبَاءَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَحْرِيمُ الْبُضْعِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا كَالظِّهَارِ بَلْ أَوْلَى فَإِنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمُ الْبُضْعِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ إزَالَةِ الْمِلْكِ، وَفِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ تَحْرِيمُ الْبُضْعِ مَعَ إزَالَةِ الْمِلْكِ وَالْفِقْهُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ إبَاحَةَ الْإِيقَاعِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّفَصِّي عَنْ عُهْدَةِ النِّكَاحِ عِنْدَ عَدَمِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِهَا تَحْرِيمُ الْبُضْعِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْحَاجَةُ إلَى مَا يَكُونُ مُحَرِّمًا لِلْبُضْعِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَاحَ أَصْلًا.
وَلَكِنْ أُبِيحَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَطْهَارِ لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ حُكْمًا عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَلِأَنَّ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ قَطْعُ بَابِ التَّلَافِي وَتَفْوِيتُ التَّدَارُكِ عِنْدَ النَّدَمِ، وَفِيهِ مَعْنَى مُعَارَضَةِ الشَّرْعِ فَالْإِسْقَاطَاتُ فِي الْأَصْلِ لَا تَتَعَدَّدُ كَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ الطَّلَاقَ مُتَعَدِّدًا لِمَعْنَى التَّدَارُكِ عِنْدَ النَّدَمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَفْوِيتُ هَذَا الْمَعْنَى فِي نَفْسِهِ بَعْدَ مَا نَظَرَ الشَّرْعُ لَهُ كَمَا لَا يُبَاحُ لَهُ الْإِيقَاعُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ حَالَةُ نَفْرَةِ الطَّبْعِ عَنْهَا وَكَوْنُهُ مَمْنُوعًا شَرْعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْدَمُ إذَا جَاءَ زَمَانُ الطُّهْرِ فَيُكْرَهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ لِمَعْنَى خَوْفِ النَّدَمِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فِي الطُّهْرِ ثُمَّ أُخْرَى فِي الْحَيْضِ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَلَيْسَ فِي إيقَاعِ الثَّانِيَةِ فِي الْحَيْضِ مَعْنَى تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَلَا مَعْنَى اشْتِبَاهِ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فَدَلَّ أَنْ مَعْنَى كَرَاهَةِ الْإِيقَاعِ لِمَعْنَى خَوْفِ النَّدَمِ إذَا جَاءَ زَمَانُ الطُّهْرِ وَهَذَا فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ أَظْهَرُ فَكَانَ مَكْرُوهًا وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْمَدْخُولُ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute