وَلِأَنَّ هَذَا شَهْرٌ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَلَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْمُمْتَدَّةِ طُهْرُهَا بِخِلَافِ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا نَوْعُ عِدَّةٍ فَيَكُونُ مَحَلًّا لِتَفْرِيقِ الطَّلْقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ كَالْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مَحَلَّ إيقَاعِ الطَّلْقَاتِ الْعِدَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وَعِدَّةُ الْحَامِلِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِدَّةِ بَلْ هِيَ الْأَصْلُ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعِدَّةِ تَبَيُّنُ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَمْلِكُ تَفْرِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْعِدَّةِ.
وَفِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فُصُولُ الْعِدَّةِ إنَّمَا تَقَعُ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا فَأَمَّا الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرُ تَجَدُّدُ زَمَانِ الرَّغْبَةِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمُضِيِّ حَيْضَةٍ، وَفِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ فِي حَقِّهَا سَوَاءٌ وَلَا بُدَّ مِنْ إبَاحَةِ التَّفْرِيقِ فِي عِدَّتِهَا فَأَقَمْنَا الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا مَقَامَ الْحَيْضَةِ فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَنْعَدِمُ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ الْحَامِلِ فَلَا بُدَّ مِنْ إبَاحَةِ التَّفْرِيقِ فِي عِدَّتِهَا فَأَقَمْنَا الشَّهْرَ فِي حَقِّ الْآيِسَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ شَهْرٌ فِي عِدَّةٍ لَا حَيْضَ فِيهَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِفُصُولِ الْعِدَّةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الصَّغِيرَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ عَلَيْهَا لِلْحَالِ وَاحِدَةٌ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ وَقَعَتْ أُخْرَى، وَإِذَا مَضَى شَهْرٌ وَقَعَتْ أُخْرَى ثُمَّ إذَا حَاضَتْ يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ وَالتَّطْلِيقَاتُ الثَّلَاثُ وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِفُصُولِ الْعِدَّةِ ثُمَّ الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ وَلَكِنْ هُنَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجَدْنَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشَّهْرِ، وَهُوَ وَضْعُ الْحَمْلِ، وَفِي حَقِّ التَّفْرِيقِ بِالطَّلَاقِ لَمْ نَجِدْ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشَّهْرِ فَبَقِيَ الشَّهْرُ فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي الصَّغِيرَةِ إذَا حَاضَتْ يُقَرِّرُهُ أَنَّ الْحَبَلَ يُؤَثِّرُ فِي إبَاحَةِ إيقَاعٍ كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَهُ، وَهُوَ الطَّلَاقُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْمَنْعِ مِمَّا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى مَا قُلْنَا إذَا بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ حَمْلِهَا يَوْمٌ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لِمُدَّةِ الْحَمْلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَوْمًا إلَّا أَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حِينَ أَخَّرَ الْإِيقَاعَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُدَّةِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمُدَّةِ قَابِلًا لِتَفْرِيقِ الثَّلَاثِ كَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حِينَ أَخَّرَ الْإِسْلَامَ.
وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ أَنَّ مُدَّةَ الْحَبَلِ كَحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ ثَلَاثِ حِيَضٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهَا الْعِدَّةُ وَلَكِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إنَّمَا لَا يُقَدَّرُ بِبَعْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute