الشُّهُورِ يَنْعَدِمُ هَذَا الْمَعْنَى فَكَانَ الشَّهْرُ قَائِمًا مَقَامَ مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَهَذَا حُكْمٌ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ فَإِنَّ إزَالَةَ الْمِلْكِ بِالطَّلَاقِ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ يَتِمُّ بِنَفْسِهِ كَالْعِتْقِ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ لِلزَّوْجِ حَقَّ الرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ بَعْدَ التَّطْلِيقَةِ وَالتَّطْلِيقَتَيْنِ لِلتَّدَارُكِ عِنْدَ النَّدَمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {، وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٣١] مَعْنَاهُ قُرْبَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِالْمُرَاجَعَةِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: ٢٢٩] وَالْمُرَادُ بِالْإِمْسَاكِ الْمُرَاجَعَةُ بَعْدَ التَّطْلِيقَتَيْنِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨] وَعِدَّةُ الَّتِي تَحِيضُ ثَلَاثُ حِيَضٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]، وَهُوَ حُكْمٌ مَقْطُوعٌ بِهِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ مَا هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَقَالَ الْقُرْءُ هِيَ الْحَيْضُ وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هِيَ الْأَطْهَارُ حَتَّى أَنَّ عَلَى مَذْهَبِهِ كَمَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَعِنْدَنَا مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لَا يُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَأَصْلُ الْخِلَافِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ بِضْعَة عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ الْحَبْرِ فَالْحَبْرِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالَ الزَّوْجُ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالُوا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى تَطْهُرَ. وَكَذَلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُطْلِقُونَ اسْمَ الْقُرْءِ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ جَمِيعًا قَالَ الْقَائِلُ.
يَا رُبَّ ذِي ضَغَنٍ وَضَبٍّ فَارِضٍ ... لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ
وَقَالَ الْأَعْشَى
مُورِثَةُ مَالٍ وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةٌ ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
وَالْمُرَادُ الْأَطْهَارُ لِأَنَّ زَمَانَ الْحَيْضِ يَضِيعُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الْوَقْتُ قَالَ الْقَائِلُ
إذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ
فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَقْتُ الطُّهْرِ بِهِ أَشْبَهُ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِاجْتِمَاعِ يُقَالُ مَا قَرَأَتْ النَّافَّةُ سُلًّا قَطُّ أَيْ مَا جَمَعَتْ فِي رَحِمِهَا وَلَدًا قَطُّ وَاجْتِمَاعُ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَقْتُ الْحَيْضِ بِهِ أَشْبَهُ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ عَارِضٌ لِلنِّسَاءِ فَوَقْتُ الطُّهْرِ أَصْلٌ وَوَقْتُ الْحَيْضِ عَارِضٌ مَعَ أَنَّ اجْتِمَاعَ الدَّمِ فِي حَالَةِ الطُّهْرِ لَا يُعْلَمُ حَقِيقَةً وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute