فَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى قَصْدِ الرَّجْعَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا جَعَلَ التَّيَمُّمَ كَالِاغْتِسَالِ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَهُوَ قَطْعُ الرَّجْعَةِ. وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْوَطْءِ تَرْكُهُ فَلَمْ يُجْعَلْ التَّيَمُّمَ فِيهِ قَبْلَ تَأَكُّدِهِ بِالصَّلَاةِ كَالِاغْتِسَالِ كَمَا لَمْ يَفْعَلْهُ فِي الْحِلِّ لِلْأَزْوَاجِ.
قَالَ (مُسَافِرٌ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ)؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قَصَدَ الْمُكْثَ فِيهِ أَوْ الِاجْتِيَازَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهُ أَنْ يَدْخُلَهُ مُجْتَازًا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣] وَلَكِنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ قَالُوا إنَّ إلَّا هُنَا بِمَعْنَى وَلَا أَيْ وَلَا عَابِرِي سَبِيلٍ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ فَبَقِيَ الْمَنْعُ بِقَوْلِهِ لَا تَقْرَبُوا، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْمَاءِ قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَيَتَيَمَّمُ ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَسْتَقِي مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَسْتَقِي بِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَغْتَرِفَ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مَاءً جَارِيًا أَوْ حَوْضًا كَبِيرًا اغْتَسَلَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا صَغِيرًا فَالِاغْتِسَالُ فِيهِ يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَلَا يُطَهِّرُهُ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ وَلَكِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ شَرْطُهُ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلِهَذَا تَيَمَّمَ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ لَوْ تَيَمَّمَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَيَمَّمَ لِسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَنِيَّتُهُ لِلسَّجْدَةِ عِنْدَ التَّيَمُّمِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ فَأَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِيرُ بِنِيَّتِهِ ذَلِكَ نَاوِيًا لِلصَّلَاةِ.
قَالَ (وَلَا يَتَوَضَّأُ بِسُؤْرِ الْكَلْبِ) إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَهُ سُؤْرُهُ طَاهِرٌ، وَالْأَمْرُ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ تَعَبُّدٌ، وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ سُؤْرُهُ نَجِسٌ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ ثَلَاثًا» دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَالتَّطْهِيرُ لَا يَحْصُلُ بِالنَّجِسِ فَكَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ.
قَالَ (وَتَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي الْمِصْرِ إذَا خَافَ فَوْتَهَا) وَكَذَلِكَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَتَيَمَّمُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهُورٌ شُرِعَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَمَعَ وُجُودِهِ لَا يَكُونُ طَهُورًا وَلَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ وَمَذْهَبُنَا مَذْهَبُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ إذَا فَاجَأَتْك جِنَازَةٌ فَخَشِيت فَوْتَهَا فَصَلِّ عَلَيْهَا بِالتَّيَمُّمِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِثْلُهُ وَقَدْ رَوَيْنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ السَّلَامَ بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ حِينَ خَافَ الْفَوْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute