لَمْ يُوجَدْ لَا يَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ كَمَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي صِحَّتِهِ وَإِنَّمَا أَخَذَتْ الْمِيرَاثَ بِحُكْمِ الْفِرَارِ وَذَلِكَ لَا يُلْزِمُهَا عِدَّةَ الْوَفَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ تَرِثُهُ زَوْجَتُهُ الْمُسْلِمَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِأَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ كَانَ بِرِدَّتِهِ لَا بِمَوْتِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا أَخَذَتْ مِيرَاثَ الزَّوْجَاتِ بِالْوَفَاةِ فَيَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً وَهَذَا لِأَنَّا إنَّمَا أَعْطَيْنَاهَا الْمِيرَاثَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ النِّكَاحَ بِمَنْزِلَةِ الْقَائِمِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ وَبِاعْتِبَارِ إقَامَةِ الْعِدَّةِ مَقَامَ أَصْلِ النِّكَاحِ حُكْمًا إذْ لَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ السَّبَبِ عِنْدَ الْمَوْتِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ.
وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَالْعِدَّةُ تَجِبُ بِالشَّكِّ فَإِذَا جُعِلَ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ النِّكَاحُ كَالْمُنْتَهَى بِالْمَوْتِ حُكْمًا فَفِي حُكْمِ الْعِدَّةِ أَوْلَى وَسَبَبُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ مُتَقَرِّرٌ حُكْمًا فَأَلْزَمْنَاهَا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا امْرَأَةُ الْمُرْتَدِّ فَقَدْ أَشَارَ الْكَرْخِيُّ فِي كِتَابِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ: هُنَاكَ مَا اسْتَحَقَّتْ الْمِيرَاثَ بِالْوَفَاةِ لِأَنَّ عِنْدَ الْوَفَاةِ هِيَ مُسْلِمَةٌ وَالْمُسْلِمَةُ لَا تَرِثُ مِنْ الْكَافِرِ وَلَكِنْ يَسْتَنِدُ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ إلَى وَقْتِ الرِّدَّةِ وَبِذَلِكَ السَّبَبِ لَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ وَلَا يَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَهُنَا اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا عِنْدَ الطَّلَاقِ فَعَرَفْنَا أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا إلَى وَقْتِ الْوَفَاةِ.
(قَالَ)، وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ فِي طَلَاقٍ بَائِنٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ لِلزَّوْجِ إذَا أَنْكَرَهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَبَلِ وَأَكْثَرِهَا فَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَبَلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهَمَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَرْجُمَهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَمَا أَنَّهَا لَوْ خَاصَمَتْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَخَصَمَتْكُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: ١٤] فَإِذَا ذَهَبَ لِلْفِصَالِ عَامَانِ لَمْ يَبْقَ لِلْحَبَلِ إلَّا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَدَرَأَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَدَّ وَأَثْبَتَ النَّسَبَ مِنْ الزَّوْجِ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ الْوَلَدَ تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ الْحَدِيثَ إلَخْ وَبَعْدَ مَا تُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ يَتِمُّ خَلْقُهُ بِشَهْرَيْنِ فَيَتَحَقَّقُ الْفِصَالُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُسْتَوَى الْخَلْقِ فَأَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَبَلِ سَنَتَانِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرْبَعُ سِنِينَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ سَنَتَيْنِ ثُمَّ قَدِمَ وَهِيَ حَامِلٌ فَهَمَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرَجْمِهَا فَقَالَ مُعَاذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ يَكُ لَك عَلَيْهَا سَبِيلٌ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى وَلَدَتْ وَلَدًا قَدْ نَبَتَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute