وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَمَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يَحْكُمُ بِانْقِضَائِهَا وَإِنَّمَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِمُدَّةٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ حَبَلًا ثُمَّ إنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ إذَا كَانَتْ وِلَادَتُهَا مُعَايَنَةً أَوْ أَقَرَّ بِهَا الْوَرَثَةُ.
فَأَمَّا إذَا جَحَدُوا ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَثْبُتُ النَّسَبُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْقَابِلَةُ وَحُجَّتُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوِلَادَةَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرَّجُلُ وَشَهَادَةُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حُجَّةٌ تَامَّةٌ فَكَانَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ فِيهِ حُجَّةً تَامَّةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ فِرَاشٌ قَائِمٌ أَوْ إقْرَارٌ مِنْ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ هُنَا وَهَذَا لِأَنَّ النَّسَبَ وَالْمِيرَاثَ لَا يَثْبُتُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ وِلَادَتُهَا هَذَا الْوَلَدَ ثُمَّ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعُلُوقَ بِهِ كَانَ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - طَرِيقَانِ. (أَحَدُهُمَا) مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ يَرِثُ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ ثُبُوتَ الْمِيرَاثِ مُعَلَّقٌ بِالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِعِلَّةٍ ذَاتَ وَصْفَيْنِ يُحَالُ بِهِ عَلَى آخِرِ الْوَصْفَيْنِ وُجُودًا.
وَلِهَذَا لَوْ رَجَعَ شُهُودُ النَّسَبِ وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ضَمِنُوا الْمِيرَاثَ وَآخِرُ الْوَصْفَيْنِ هُنَا النَّسَبُ فَكَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ قَائِمَةً عَلَى تَمَامِ عِلَّةِ الْإِرْثِ وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ لِلْحَالِ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَنَسَبُ وَلَدِ الْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَثْبُتُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْفِرَاشُ قَائِمًا فَإِنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ الْفِرَاشِ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْوِلَادَةُ بِالشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْحَبَلِ فَثُبُوتُ النَّسَبِ هُنَاكَ بِإِقْرَارِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ فَثُبُوتُ النَّسَبِ بِظُهُورِ الْحَبَلِ فِي حَالِ قِيَامِ الْفِرَاشِ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْوِلَادَةُ بِالشَّهَادَةِ فَقَطْ وَلِذَلِكَ إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْحَبَلِ فَثُبُوتُ النَّسَبِ هُنَاكَ بِإِقْرَارِهِ وَهُنَا لَا سَبَبَ لِلنَّسَبِ سِوَى الشَّهَادَةِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَوْضِيحُهُ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْمَالِ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ تَضْمَنْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا وَإِنَّمَا جُعِلَتْ حُجَّةً فِي الْوِلَادَةِ لِلضَّرُورَةِ فَكَانَتْ ضَعِيفَةً فِي نَفْسِهَا وَالضَّعِيفُ مَا لَمْ يَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ لَا يَجُوزُ فَصْلُ الْحُكْمِ بِهِ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْمَالِ وَالْمُؤَيِّدُ الْفِرَاشُ أَوْ الْحَبَلُ الظَّاهِرُ أَوْ إقْرَارُ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ فَإِنْ تَأَيَّدَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute