للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْهُ إلَّا عِلْمَهُ وَمَعْنَى هَذَا التَّكْلِيفِ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِاسْتِعْمَالِهِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ كَالْمَرِيضِ وَمَنْ يَخَافُ الْعَطَشَ عَلَى نَفْسِهِ تَقْدِيرُهُ أَنَّهُ عَدِمَ آلَةَ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِهِ فَكَانَ نَظِيرَ الْوَاقِفِ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ وَلَيْسَ مَعَهُ آلَةُ الِاسْتِسْقَاءِ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ الرَّقَبَةِ فَالْمُعْتَبَرُ هُنَاكَ مِلْكُهَا حَتَّى لَوْ عَرَضَ إنْسَانٌ عَلَيْهِ الرَّقَبَةَ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ، وَبِالنِّسْيَانِ لَمْ يَنْعَدِمْ مِلْكُهُ، وَهُنَا الْمُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حَتَّى لَوْ عَرَضَ إنْسَانٌ عَلَيْهِ الْمَاءَ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَبِالنِّسْيَانِ زَالَتْ هَذِهِ الْقُدْرَةُ فَجَازَ تَيَمُّمُهُ وَهُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ نَفَذَ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ ثَابِتَةٌ بِعِلْمِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِظَنِّهِ وَعَلَيْهِ التَّفْتِيشُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ (وَإِذَا كَانَ بِهِ جُدَرِيٌّ أَوْ جِرَاحَاتٌ فِي بَعْضِ جَسَدِهِ فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَالْمُعْتَبَرُ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ) فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ صَحِيحًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا فَعَلَيْهِ التَّيَمُّمُ دُونَ غَسْلِ الصَّحِيحِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَالْعِبْرَةُ بِجَمِيعِ الْجَسَدِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا تَيَمَّمَ وَصَلَّى عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ فِيمَا هُوَ صَحِيحٌ فِي الْوُجُوهِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْغُسْلِ عَمَّا هُوَ مَجْرُوحٌ لِضَرُورَةِ الضَّرَرِ فِي إصَابَةِ الْمَاءِ وَالثِّيَابِ وَالضَّرُورَةُ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا.

(وَلَنَا) أَنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمَجْدُورِ كَانَ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ» وَأَحَدٌ لَا يَقُولُ أَنَّهُ يَغْسِلُ مَا بَيْنَ كُلِّ جُدَرِيَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَكْثَرِ وَإِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مَجْرُوحًا فَكَأَنَّ الْكُلَّ مَجْرُوحٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ عَلَى سَبِيلِ رَفْوِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَإِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مَجْرُوحًا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّيَمُّمِ فَسَقَطَ فَرْضُ الْغُسْلِ لِهَذَا.

قَالَ (وَإِنْ أَجْنَبَ الصَّحِيحُ فِي الْمِصْرِ فَخَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْبَرْدُ إنْ اغْتَسَلَ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَالْمُسَافِرِ إذَا خَافَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَلَا يُجْزِئُهُ فِي الْمِصْرِ قَالَا: لِأَنَّ السَّفَرَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ خَوْفُ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ مَاءً سَخِينًا وَلَا ثَوْبًا يَتَدَفَّأُ بِهِ وَلَا مَكَانًا يَأْوِيهِ وَأَمَّا الْمِصْرُ لَا يَعْدَمُ أَحَدٌ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إلَّا نَادِرًا وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّادِرِ وَلِهَذَا لَمْ يُجْعَلْ عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ مُجَوِّزًا لِلتَّيَمُّمِ بِخِلَافِ خَارِجِ الْمِصْرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْمُسَافِرُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ فَإِذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ كَانَ هُوَ كَالْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَرَجِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ثَابِتٌ فِيهِمَا وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَالْمِصْرُ وَالسَّفَرُ لَهُ سَوَاءٌ كَالْمَرِيضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>