للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ فَهُوَ يَمِينٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَرِيبًا مِنْهُ وَعَنْ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَكِنْ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْيَمِينِ دُونَ الْحُرْمَةِ الَّتِي تَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ وَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ فَكَانَ يَمِينًا إنْ قَرْبَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِلْحِنْثِ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ. وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى الْإِيلَاءَ فَهُوَ وَنِيَّةُ الْيَمِينِ سَوَاءٌ وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَهُوَ كَذِبٌ لَا حُكْمَ لَهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ كَذِبٌ فَإِنَّهُ وَصَفَهَا بِالْحُرْمَةِ وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ قَالُوا هَذَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.

فَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يُدَيَّنُ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْعَمَلِ بِهِ شَرْعًا فَلَا يُلْغَى مَعَ إمْكَانِ الْإِعْمَالِ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْكَذِبِ إلْغَاؤُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا لَوْ قَالَ نَوَيْت بِهِ الظِّهَارَ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يَكُونُ ظِهَارًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالظِّهَارِ كَمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ مَا نَوَى مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِأَنَّ الظِّهَارَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ فَبِدُونِ حَرْفِ التَّشْبِيهِ، وَهُوَ الْكَافُ لَا يَثْبُتُ الظِّهَارُ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا وَنَظَائِرِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَهِيَ ثَلَاثٌ لَا يُدَيَّنُ فِي شَيْءٍ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِكَوْنِهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ.

وَالْحُرْمَةُ لَا تَثْبُتُ صِفَةً لِلْمَحَلِّ إلَّا بِزَوَالِ صِفَةِ الْحِلِّ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَصِفَةُ الْحِلِّ لَا تَزُولُ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فَكَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُوجِبًا لِهَذَا اللَّفْظِ حَقِيقَةً فَلَا يُدَيَّنُ فِي شَيْءٍ آخَرَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ وَصَفَهَا بِالْحُرْمَةِ وَالْحُرْمَةُ أَنْوَاعٌ، وَلَهَا أَسْبَابٌ فَإِذَا نَوَى نَوْعًا أَوْ سَبَبًا كَانَ الْمَنْوِيُّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ.

(قَالَ) وَلَوْ قَالَ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِذَا نَوَى يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ وَلَا تَدْخُلُ امْرَأَتُهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِهَا فَإِذَا لَمْ يَنْوِ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ خَاصَّةً، وَفِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا يَفْرُغُ مِنْ يَمِينِهِ يَحْنَثُ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّ فَتَحَ الْعَيْنَيْنِ وَالْقُعُودَ وَالْقِيَامَ حِلٌّ دَاخِلٌ فِي هَذَا التَّحْرِيمِ فَكَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ عَقِيبَ التَّحْرِيمِ مَوْجُودًا وَلَكِنَّا نَقُولُ عَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعُمُومَ لِأَنَّ الْبِرَّ مَقْصُودُ الْحَالِفِ وَلَا تَصَوُّرَ لِلْبِرِّ إذَا حُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعُمُومِ فِيهِ حُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ، وَهُوَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ الَّذِي بِهِ قِوَامُ النَّفْسِ وَلَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا لِأَنَّ إدْخَالَهَا بِدُونِ النِّيَّةِ لِمُرَاعَاةِ الْعُمُومِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ.

وَالْعَادَةُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>