للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْتَثْنِيًا مِنْ كُلِّ كَلَامٍ تَطْلِيقَةً، وَكَلَامُ الْعَاقِلِ يَجِبُ تَصْحِيحُهُ مَا أَمْكَنَ، وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ لَوْ قَالَ: ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا، تَطْلُقُ ثَلَاثًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ وَبَعْضَ الْآخَرِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ بَعْضِ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ دُونَ الْبَعْضِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُسْتَثْنِيًا مِنْ كُلِّ كَلَامٍ تَطْلِيقَةً وَنِصْفًا، فَالتَّطْلِيقَةُ عِنْدَهُ تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ بِهَذَا الطَّرِيقِ.

(قَالَ): وَإِذَا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً، فَطَلَاقُهُ يَقَعُ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ، وَإِنْ قَذَفَهَا، لَاعَنَهَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا تَوَارَثَا؛ لِبَقَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا ظِهَارٌ وَلَا إيلَاءٌ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْبِيهِ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ، وَهَذَا تَشْبِيهُ الْمُحَرَّمَةِ بِالْمُحَلَّلَةِ، وَالْمَوْلَى مُضَارٌ مُتَعَنِّتٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْنَعُ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ، وَبَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْجِمَاعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَذَفَهَا، لَمْ يُلَاعِنْهَا، وَكَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ مَشْرُوعٌ؛ لِقَطْعِ النِّكَاحِ وَقَدْ انْقَطَعَ النِّكَاحُ بِالْبَيْنُونَةِ.

(قَالَ): رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ، لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: تَطْلُقُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ فِي الْمِلْكِ قَدْ صَحَّ، وَالشَّرْطُ وُجِدَ فِي الْمِلْكِ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ، فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُ طَلَاقٌ فَكَانَ غَيْرُ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ غَيْرُ وَاصِلٍ إلَى الْمَحَلِّ، فَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِبَقَائِهِ مُتَعَلِّقًا قِيَامَ الْمَحَلِّ.

وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَحَلِّ مَحَلًّا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ يَصِلُ إلَيْهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، يَكُونُ مُظَاهِرًا مِنْهَا، إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ، وَلَوْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ إصَابَةِ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ، تَطْلُقُ ثَلَاثًا، فَإِذَا كَانَ وُقُوعُ بَعْضِ الطَّلْقَاتِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ التَّعْلِيقِ فِي الثَّلَاثِ، فَكَذَلِكَ فِي وُقُوعِ الْكُلِّ، وَحُجَّتُنَا مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَقَدْ ذَهَبَ تَطْلِيقَاتُ ذَلِكَ الْمِلْكِ كُلِّهِ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ انْعِقَادَ هَذِهِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ فَإِنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَلَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ هُنَا، فَكَانَ انْعِقَادُهَا بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ، وَهِيَ مَحْصُورَةٌ بِالثَّلَاثِ، وَقَدْ أَوْقَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ وَالْكُلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَعَدُّدُهُ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْجَزَاءِ الْمُعَلَّقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>