للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ، فَإِذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ بِهِ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، أَوْلَى أَنْ يَنْعَقِدَ الْيَمِينُ، وَبِأَنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ كَمَنْ يَقُولُ لِجَارِيَتِهِ: إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ، صَحَّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فِي الْوَلَدِ الْمَعْدُومِ.

وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَائِضِ: إذَا طَهُرْتِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، كَانَ هَذَا طَلَاقًا لِلسُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَهُ فِي الْحَالِ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَصَرُّفِ الْيَمِينِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَصَرُّفِ الطَّلَاقِ فَأَمَّا فِي الْمَحَلِّ مُعْتَبَرٌ بِالطَّلَاقِ دُونَ الْيَمِينِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْإِيجَابَ أَحَدُ شَطْرَيْ الْبَيْعِ، وَتَصَرُّفُ الْبَيْعِ قَبْلَ الْمِلْكِ لَغْوٌ.

فَأَمَّا الْإِيجَابُ هُنَا تَصَرُّفٌ آخَرُ سِوَى الطَّلَاقِ وَهِيَ الْيَمِينُ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ مَا رُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَسَالِمٍ وَالشَّعْبِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا: «كَانُوا يُطَلِّقُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ؛ تَنْجِيزًا، وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ طَلَاقًا فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ».

وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَإِنْ ثَبَتَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ نَكَحْتُهَا أَيْ وَطِئْتُهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةً لِلْوَطْءِ، وَبِهَذَا لَا يَحْصُلُ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى الْمِلْكِ عِنْدَنَا.

إذَا عَرَفْنَا هَذَا، فَنَقُولُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا تَزَوَّجْتُك أَوْ إذَا مَا تَزَوَّجْتُك أَوْ إنْ تَزَوَّجْتُك أَوْ مَتَى مَا تَزَوَّجْتُك فَهَذَا كُلُّهُ لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ فَإِنَّ كَلِمَةَ إنْ لِلشَّرْطِ، وَإِذَا، وَمَتَى لِلْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَلَا يَرْتَفِعُ الْيَمِينُ بِالتَّزَوُّجِ مَرَّةً وَلَكِنْ كُلَّمَا تَزَوَّجَهَا، يَصِيرُ عِنْدَ التَّزْوِيجِ كَالْمُنْجِزِ لِلطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا عَلَى كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى تَطْلُقَ ثَلَاثًا بِخِلَافِ إنْ وَإِذَا وَمَتَى فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أُكَلِّمُكِ، أَوْ يَوْمَ تَدْخُلِينَ الدَّارَ، أَوْ يَوْمَ أَطَؤُكِ فَهَذَا بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: يَوْمَ أَتَزَوَّجُكِ فَإِنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ يَصِيرُ مُضِيفًا الطَّلَاقَ إلَى التَّزَوُّجِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الطَّلَاقِ فَيَصِيرُ الْمَحْلُوفُ بِهِ مَوْجُودًا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّ دُخُولَ الدَّارِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الطَّلَاقِ.

فَإِنْ تَزَوَّجَ بِهَا ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقْتُ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِنْ طَلَّقَهَا حِينَئِذٍ، يَصِلُ إلَى الْمَحَلِّ، وَالْمِلْكُ مَوْجُودٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا بَعْدَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَلَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِدُونِ الْمَحْلُوفِ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ، لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فَبِدُونِ ذَلِكَ، وَإِنْ صَارَ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الْمُضَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>