آخَرُ أَنَّ الشَّرْطَ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَأَمَّا مَا سَبَقَ الْيَمِينَ لَا يَكُونُ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِالْيَمِينِ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ إيجَادِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِيمَا مَضَى فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَاضِيَ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لَهُ، وَالْيَمِينُ يَتَقَيَّدُ بِمَقْصُودِ الْحَالِفِ. إذَا عَرَفْنَا هَذَا، فَنَقُولُ: رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ عَمْرَةُ وَزَيْنَبُ فَقَالَ لِزَيْنَبِ: أَنْتِ طَالِقٌ، إذَا طَلَّقْت عَمْرَةَ، أَوْ كُلَّمَا طَلَّقْت عَمْرَةَ ثُمَّ قَالَ لِعَمْرَةَ: أَنْتِ طَالِقٌ، إذَا طَلَّقْت زَيْنَبَ ثُمَّ قَالَ لِزَيْنَبِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى زَيْنَبَ بِالْإِيقَاعِ تَطْلِيقَةٌ، وَيَقَعُ عَلَى عَمْرَةَ أَيْضًا تَطْلِيقَةٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ كَانَ يَمِينًا بِطَلَاقِ زَيْنَبَ، وَكَلَامَهُ الثَّانِيَ كَانَ يَمِينًا بِطَلَاقِ عَمْرَةَ فَإِنَّ الْجَزَاءَ فِيهِ طَلَاقُ عَمْرَةَ، وَالشَّرْطُ طَلَاقُ زَيْنَبَ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ بِإِيقَاعِهِ عَلَى زَيْنَبَ فَلِهَذَا يَقَعُ عَلَى عَمْرَةَ تَطْلِيقَةٌ بِالْيَمِينِ وَيَعُودُ إلَى زَيْنَبَ؛ لِأَنَّ عَمْرَةَ طَلُقَتْ بِيَمِينٍ بَعْدَ يَمِينِهِ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ فَيَكُونُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا شَرْطًا لِلْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ فَلِهَذَا يَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى؛ هَكَذَا فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: وَلَا يَعُودُ عَلَى زَيْنَبَ وَهُوَ غَلَطٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْ زَيْنَبَ وَلَكِنَّهُ طَلَّقَ عَمْرَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ بِالْإِيقَاعِ، وَعَلَى زَيْنَبَ تَطْلِيقَةٌ بِالْيَمِينِ ثُمَّ وَقَعَتْ أُخْرَى عَلَى عَمْرَةَ بِالْيَمِينِ؛ هَكَذَا ذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُوَ غَلَطٌ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى عَمْرَةَ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ زَيْنَبَ إنَّمَا طَلُقَتْ بِالْيَمِينِ السَّابِقَةِ عَلَى الْيَمِينِ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شَرْطًا لِلْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ.
قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَيْنَبِ: إذَا طَلَّقْتُ عَمْرَةَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِعَمْرَةَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ الدَّارَ؛ تَطْلُقُ بِالدُّخُولِ، وَتَطْلُقُ زَيْنَبُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عَمْرَةَ إنَّمَا طَلُقَتْ بِكَلَامٍ بَعْدَ الْيَمِينِ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ، وَلَوْ كَانَ قَالَ لِعَمْرَةَ أَوَّلًا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِزَيْنَبِ: إنْ طَلَّقْتُ عَمْرَةَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ دَخَلَتْ عَمْرَةُ الدَّارَ؛ طَلُقَتْ، وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَى زَيْنَبَ؛ لِأَنَّ عَمْرَةَ إنَّمَا طَلُقَتْ بِيَمِينِ قَبْلَ الْيَمِينِ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا لِلْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ.
وَبِهَذَا الِاسْتِشْهَادِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَنَّ جَوَابَهُ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ وَقَعَ عَلَى الْقَلْبِ.
(قَالَ): وَإِذَا حَلَفَ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ، لَا يَحْلِفُ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ ثُمَّ حَلَفَ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ، لَا يَحْلِفُ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ، كَانَتْ عَمْرَةُ طَالِقًا؛ لِأَنَّهُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ حَلَفَ بِطَلَاقِ عَمْرَةَ، وَشَرْطُ حِنْثِهِ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ زَيْنَبَ وَبِالْكَلَامِ الثَّانِي صَارَ حَالِفًا بِطَلَاقِ زَيْنَبَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ فِيهِ طَلَاقُ زَيْنَبَ فَوُجِدَ فِيهِ شَرْطُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute