للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأَخَّرَ الْوُقُوعُ إلَى الْقُدُومِ.

وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ السَّاعَةَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَتَّى تَمُوتَ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ طُولُ الْحَيَاةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي حَتَّى إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِنْتَ عَشْرِ سِنِينَ، وَالْأُخْرَى بِنْتَ سِتِّينَ سَنَةً لَمْ تَطْلُقْ الْعَجُوزُ فَعَرَفْنَا أَنَّ طُولَ الْحَيَاةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُرَادٌ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَا مَعًا، فَإِنْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ الْأُخْرَى فِي الْحَالِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - طَلُقَتْ مِنْ حِينِ تَكَلَّمَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلُهُمَا حَيَاةً، وَأَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ مَوْجُودٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مَعْنَى كَلَامِ الزَّوْجِ الَّتِي تَبْقَى مِنْكُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْأُخْرَى طَالِقٌ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ قَبْلَ مَوْتِ إحْدَاهُمَا بَلْ هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَا مَعًا فَلِهَذَا انْتَصَبَ شَرْطًا.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ: يَا زَيْنَبُ، فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ؛ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ الَّتِي أَجَابَتْهُ، لِأَنَّهُ أَتْبَعَ الْإِيقَاعَ الْجَوَابَ فَيَصِيرُ مُخَاطِبًا لِلْمُجِيبَةِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت زَيْنَبَ قُلْنَا تَطْلُقُ زَيْنَبُ بِقَصْدِهِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي صَرْفِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَتَطْلُقُ عَمْرَةُ أَيْضًا بِالظَّاهِرِ كَمَا لَوْ قَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ، وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ تَطْلُقُ، فَإِنْ قَالَ: لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى بِهَذَا الِاسْمِ تَزَوَّجْتهَا سِرًّا، وَإِيَّاهَا عَنَيْت قُلْنَا تَطْلُقُ تِلْكَ بِنِيَّتِهِ، وَالْمَعْرُوفَةُ بِالظَّاهِرِ، وَلَوْ قَالَ: يَا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ طَلُقَتْ زَيْنَبُ؛ لِأَنَّهُ أَتْبَعَ الْإِيقَاعَ النِّدَاءَ فَيَكُونُ خِطَابًا لِلْمُنَادَى وَهِيَ زَيْنَبُ.

وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يُشِيرُ إلَيْهَا: يَا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِذَا هِيَ عَمْرَةُ طَلُقَتْ عَمْرَةُ، إنْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ امْرَأَتُهُ، لَمْ تَطْلُقْ زَيْنَبُ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِشَارَةِ أَبْلَغُ مِنْ التَّعْرِيفِ بِالِاسْمِ، فَإِنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِشَارَةِ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَبِالِاسْمِ لَا، فَكَانَ هَذَا أَقْوَى، وَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ؛ فَكَانَ هُوَ مُخَاطِبًا بِالْإِيقَاعِ لِمَنْ أَشَارَ إلَيْهَا خَاصَّةً، وَإِنْ قَالَ: يَا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يُشِرْ إلَى شَيْءٍ غَيْرَ أَنَّهُ رَأَى شَخْصًا فَظَنَّهَا زَيْنَبَ، وَهِيَ غَيْرُهَا طَلُقَتْ زَيْنَبُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْإِيقَاعَ عَلَى التَّعْرِيفِ بِالِاسْمِ هُنَا فَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمُسَمَّاةِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَحْصُلُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ، وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ.

فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ هِيَ وَلَا الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ عَنَاهَا بِقَلْبِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِي ضَمِيرِهِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ الْإِيقَاعُ عَلَى زَيْنَبَ الَّتِي لَمْ يَعْنِهَا بِقَلْبِهِ، وَعَلَى الَّتِي عَنَاهَا بِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطِبْهَا بِلِسَانِهِ حِينَ أَتْبَعَ الْخِطَابَ النِّدَاءَ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ أَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ أَشَارَ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِالْعَدَدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَخَنَّسَ إبْهَامَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>