فَقُلْت: نَعَمْ فَقَامَ عَلَى حَذْمِ حَائِطٍ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَأَذَّنَ ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى وَزَادَ فِي آخِرِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرْته بِذَلِكَ فَقَالَ: رُؤْيَا صِدْقٍ، أَوْ قَالَ: حَقٍّ أَلْقِهَا عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَمَدُّ صَوْتًا مِنْك فَأَلْقَيْتهَا عَلَيْهِ فَقَامَ عَلَى سَطْحِ أَرْمَلَةٍ كَانَ أَعْلَى السُّطُوحِ بِالْمَدِينَةِ وَجَعَلَ يُؤَذِّنُ فَجَاءَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي إزَارٍ وَهُوَ يُهَرْوِلُ وَيَقُولُ لَقَدْ طَافَ بِي اللَّيْلَةَ مَا طَافَ بِعَبْدِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ سَبَقَنِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا أَثْبَتُ». وَرُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ رَأَوْا تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَكَانَ أَبُو حَفْصٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ يُنْكِرُ هَذَا وَيَقُولُ تَعْمِدُونَ إلَى مَا هُوَ مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ فَتَقُولُونَ ثَبَتَ بِالرُّؤْيَا كَلًّا وَلَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أُسْرِيَ بِهِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَجُمِعَ لَهُ النَّبِيُّونَ أَذَّنَ مَلَكٌ وَأَقَامَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى قَالَ كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ أَذَّنَ جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ فَسَمِعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ.
ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَذَانِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: (أَحَدُهَا) فِي التَّرْجِيعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَصِفَتُهُ) أَنْ يَأْتِيَ بِكَلِمَةِ - الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ يَخْفِضُ بِهِمَا صَوْتَهُ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَأْتِيَ بِهِمَا مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ يَرْفَعُ بِهِمَا صَوْتَهُ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَلَا يَكُونُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً إلَّا بِالتَّرْجِيعِ وَرُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّرْجِيعِ نَصًّا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الشَّهَادَتَيْنِ قِيَاسَ التَّكْبِيرِ فَكَمَا أَنَّهُ يَأْتِي بِلَفْظَةِ التَّكْبِيرِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَكَذَلِكَ كَلِمَةُ الشَّهَادَتَيْنِ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَهُوَ الْأَصْلُ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّرْجِيعِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ قَوْلُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَلَا تَرْجِيعَ فِي هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ فَفِيمَا سِوَاهُمَا أَوْلَى.
وَأَمَّا لَفْظُ التَّكْبِيرِ فَدَلِيلُنَا فَإِنَّ ذِكْرَ التَّكْبِيرِ مَرَّتَيْنِ لَمَّا كَانَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ قُلْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالتَّكْرَارِ حَالَةَ التَّعْلِيمِ لِيَحْسُنَ تَعَلُّمُهُ وَهُوَ كَانَ عَادَتُهُ فِيمَا يَعْلَمُ أَصْحَابُهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّرْجِيعِ. وَقِيلَ «إنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ مُؤَذِّنَ مَكَّةَ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَفَضَ صَوْتَهُ اسْتِحْيَاءً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute