للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ، وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ انْتِهَاءُ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِارْتِفَاعِهِ بِالتَّطْلِيقَاتِ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ السَّبَبِ كَمَا لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ وَلِأَنَّ الْمِيرَاثَ يُسْتَحَقُّ بِالنَّسَبِ تَارَةً وَبِالزَّوْجِيَّةِ أُخْرَى، وَلَوْ انْقَطَعَ النَّسَبُ لَا يَبْقَى اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي صِحَّتِهِ، أَوْ فِي مَرَضِهِ فَكَذَلِكَ إذَا انْقَطَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا؛ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَقَدْ رَوَى إبْرَاهِيمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: جَاءَ عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ إلَى شُرَيْحٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِخَمْسِ خِصَالٍ، مِنْهُنَّ إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَرِثَتْهُ إذَا مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ أُمَّ الْبَنِينَ بِنْتَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ كَانَتْ تَحْتَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَفَارَقَهَا بَعْدَ مَا حُوصِرَ، فَجَاءَتْ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ مَا قُتِلَ، وَأَخْبَرْته بِذَلِكَ، فَقَالَ: تَرَكَهَا حَتَّى إذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ فَارَقَهَا، وَوَرَّثَهَا مِنْهُ، وَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تُمَاضِرَ آخِرَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فِي مَرَضِهِ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ: مَا اتَّهَمْتُهُ، وَلَكِنِّي أَرَدْت السُّنَّةَ، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ تَرِثُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى رُدَّ إلَيْهِ يَعْنِي هَذَا الْحُكْمَ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنْ قِيلَ: لَا إجْمَاعَ هُنَا، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِ تُمَاضِرَ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إلَيَّ لَمَا وَرَّثْتُهَا.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا طَلَّقْتهَا ضِرَارًا وَلَا فِرَارًا، قُلْنَا: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا وَرَّثْتهَا، أَيْ؛ لِجَهْلِي بِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَمَعْنَى قَوْلِهَا: مَا وَرَّثَهَا؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، وَبِهِ نَقُولُ، وَلَكِنَّ تَوْرِيثَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاهَا بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُهَا قَبْلَهُ، وَقَدْ قِيلَ: مَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ وَلَكِنَّهُ قَالَ لَهَا: إذَا طَهُرْتِ فَآذِنِينِي، فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ، وَبِهَذَا لَا يَسْقُطُ مِيرَاثُهَا، وَابْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُنْكِرْ التَّوْرِيثَ إنَّمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ تُهْمَةَ الْفِرَارِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَادَهُ، فَقَالَ: لَوْ مِتَّ وَرَّثْتُهَا مِنْك، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ ذَلِكَ مَا طَلَّقْتُهَا ضِرَارًا وَلَا فِرَارًا، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا عَنْ الْمِيرَاثِ بِقَوْلِهِ: فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ كَمَا لَوْ وَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ مِنْ إنْسَانٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِمَرَضِ الْمَوْتِ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ؛ وَلِهَذَا يُمْنَعُ عَنْ التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ بِالسَّبَبِ، وَالْمَحَلِّ.

فَإِذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَحَلِّ يُجْعَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>