الظِّهَارُ مَعَ الطَّلَاقِ اثْنَتَانِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. (قُلْنَا) اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ.
(قَالَ) وَإِنْ قَالَ أَنَا مِنْك مُظَاهِرٌ فَهُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّ مُوجِبَ الظِّهَارِ هُوَ التَّحْرِيمُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لَفْظَ التَّحْرِيمِ يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحِلَّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ لَفْظُ الظِّهَارِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ ظَاهَرْت مِنْك فَإِنَّ صِيغَةَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ فِي الظِّهَارِ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الطَّلَاقِ.
(قَالَ) وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتِ مِنِّي كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ عِنْدِي وَمَعِي فَهُوَ ظِهَارٌ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ لِأَنَّ تَشْبِيهَ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ يَتَحَقَّقُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ. (قَالَ) وَلَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَدَعَهُ يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُكَفِّرْ وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الْحَرَامِ وَلَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالتَّكْفِيرِ وَتُخَاصِمَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ بِالظِّهَارِ فَوَّتَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَلَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لَهَا بِالنِّكَاحِ وَيُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى التَّكْفِيرِ عِنْدَ طَلَبِهَا لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا بِهِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُبَاشِرَهَا وَلَا يُقَبِّلَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ فِي مَعْنَى الْحُرْمَةِ بِالطَّلَاقِ إلَّا فِي حُكْمِ زَوَالِ الْمِلْكِ وَالِارْتِفَاعِ بِالْكَفَّارَةِ وَالْحُرْمَةُ مَتَى ثَبَتَتْ بِالطَّلَاقِ تُوجِبُ تَحْرِيمَ اللَّمْسِ وَالتَّقْبِيلِ فَكَذَلِكَ بِالظِّهَارِ.
(قَالَ) وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَالطَّلَاقِ فَيَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْمِلْكِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ.
(قَالَ) وَإِذَا قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ وَبَطَلَ الظِّهَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الظِّهَارَ مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّلَاقِ فَتَبِينُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُظَاهِرًا وَعِنْدَهُمَا يَقَعَانِ مَعًا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي بَابِ الطَّلَاقِ.
(قَالَ) وَإِذَا قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَزِمَ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ جَمِيعًا لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّزْوِيجِ هُنَا مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَعِنْدَ التَّزْوِيجِ يَقَعَانِ مَعًا.
(قَالَ) وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ الدَّارَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا مِنْهَا لِأَنَّ مُوجِبَ الظِّهَارِ حُرْمَةٌ تَرْتَفِعُ بِالْكَفَّارَةِ، وَبِالْبَيْنُونَةِ تَثْبُتُ حُرْمَةٌ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَظْهَرُ الضَّعِيفُ مَعَ الْقَوِيِّ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَحَلُّ الظِّهَارِ لِأَنَّهَا مُحَلَّلَةٌ لَهُ بِأَبْلَغِ جِهَاتِهِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ. وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ إلَّا عِنْدَ بَقَاءِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْمَحَلِّ عِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ فَإِذَا لَمْ تَبْقَ مَحَلًّا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا مِنْهَا.
(قَالَ) وَإِذَا ظَاهَرَ الْمُسْلِمُ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute