لِأَنَّهُ شَبَّهَ الثَّانِيَةَ بِالْأُولَى وَلِأَنَّ قَصْدَ التَّشْبِيهِ فِي حُكْمِ الظِّهَارِ وَهَذَا قَصْدٌ صَحِيحٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ تَشْبِيهَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ فِي وَجْهٍ خَاصٍّ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ رَجُلٌ آخَرُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ امْرَأَةِ فُلَانٍ عَلَيْهِ يَنْوِي الظِّهَارَ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الظِّهَارَ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي حُكْمِ الْحِلِّ وَالْمِلْكِ أَوْ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا شَيْئًا بِدُونِ النِّيَّةِ.
(قَالَ) وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى قَدْ أَشْرَكْتُك فِي ظِهَارِ فُلَانَةَ كَانَ مُظَاهِرًا أَيْضًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَقَدْ صَرَّحَ بِالظِّهَارِ فَكَانَ ذَلِكَ تَنْصِيصًا عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمِ الظِّهَارِ وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا اتَّصَلَ بِالْكَلَامِ يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَاسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» وَإِنْ قَالَ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَالْمَشِيئَةُ إلَى فُلَانٍ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا يُنَجَّزُ إذَا شَاءَتْ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا فَكَذَلِكَ إذَا عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهِ غَيْرَهَا.
(قَالَ) وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عَلَى الْعَبْدِ الصَّوْمُ مَا لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْإِعْتَاقِ وَعَجْزُهُ أَبْيَنُ مِنْ عَجْزِ الْمُعْسِرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصَّوْمِ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَمَلَكَ مَالًا فَكَفَّارَتُهُ بِالْعِتْقِ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ كَانَ لِضَرُورَةِ الْعَجْزِ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْكَفَّارَاتِ حَالَةُ الْأَدَاءِ لَا حَالَةُ الْوُجُوبِ وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي اعْتِبَارِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا كَمَا فِي الْحُدُودِ حَتَّى إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ عَبْدٌ ثُمَّ عَتَقَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْعَبِيدِ لَا حَدُّ الْأَحْرَارِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ وَعِنْدَنَا الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْعِتْقِ وَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ لَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِالْبَدَلِ وَحَدُّ الْعَبِيدِ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ لَيْسَ لِلْعَجْزِ فَبَدَنُ الْعَبْدِ يَحْتَمِلُ مِنْ الضَّرْبِ فَوْقَ مَا يَحْتَمِلُهُ بَدَنُ الْحُرِّ وَسَنُقَرِّرُ هَذَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَالَ) وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُ مَوْلَاهُ فِي رِقِّهِ أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ لَمْ يَجْزِهِ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَافٍ لِلْمِلْكِ فَلَا يَمْلِكُ الْمَالَ بِتَمْلِيكِ الْمَوْلَى مَعَ قِيَامِ الْمُنَافِي فِيهِ فَإِنَّ الْمُتَنَافِيَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَبِدُونِ مِلْكِهِ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِعْتَاقُ عَنْهُ وَالْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لَا تَسْقُطُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَلَا إطْعَامُهُ الْمَسَاكِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute