للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ الْخَرَسُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ الْكَلَامَ لِيَتَكَلَّمَ وَهَذَا لَا يُجْزِي، وَمُرَادُهُ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَالَ لَا يُجْزِي إذَا كَانَ الصَّمَمُ عَارِضًا فَلَا يَكُونُ مَعَهُ الْخَرَسُ وَيَسْمَعُ عِنْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ

(قَالَ): وَيُجْزِي الْخَصِيُّ وَمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ وَمَقْطُوعُ الْمَذَاكِيرِ عِنْدَنَا، وَلَا يُجْزِئُ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهَا مُسْتَهْلَكَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِفَوَاتِ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْآدَمِيِّ، وَلَكِنَّا نَقُولُ بَعْدَ قَطْعِ الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ: السَّمْعُ بَاقٍ وَإِنَّمَا يَفُوتُ مَا هُوَ زِينَةٌ وَجَمَالٌ فَلَا تَصِيرُ الرَّقَبَةُ بِهِ مُسْتَهْلَكَةً كَفَوَاتِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ، وَفِي الْخَصِيَّ وَمَقْطُوعِ الْمَذَاكِيرِ إنَّمَا تَفُوتُ مَنْفَعَةُ النَّسْلِ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْمَمَالِيكِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ فَائِتَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمَشْيِ بِعَصَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ كُلِّ يَدٍ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مَقْطُوعَةً لَمْ يَجُزْ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، وَقَطْعُ أَكْثَرِ الْأَصَابِعِ فِي هَذَا كَقَطْعِ جَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ مِنْ كُلِّ يَدٍ أُصْبُعًا أَوْ أُصْبُعَيْنِ سِوَى الْإِبْهَامِ يُجْزِي؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ بَاقِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْإِبْهَامِ مِنْ كُلِّ يَدٍ فَمَنْفَعَةُ الْبَطْشِ فَائِتَةٌ، فَلِهَذَا لَا يُجْزِي، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْمَفْلُوجُ الْيَابِسُ الشِّقِّ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ فِي الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الرَّقَبَةُ، وَذَلِكَ اسْمٌ لِلذَّاتِ حَقِيقَةً وَلِلذَّاتِ الْمَرْقُوقِ عُرْفًا، وَقَدْ دَلَّ عَلَى الرِّقِّ قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] فَيَقْتَضِي قِيَامَ الرِّقِّ مُطْلَقًا، وَبِالِاسْتِيلَادِ يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي الرِّقِّ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى بِحَالٍ؛ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] يَقْتَضِي إنْشَاءَ الْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِعْتَاقُ أُمِّ الْوَلَدِ تَعْجِيلٌ لِمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لَهَا مُؤَجَّلًا فَلَا يَكُونُ إنْشَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ، وَالْمُدَبَّرُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالتَّدْبِيرِ صَارَ مُسْتَحِقًّا لَهُ وَلِهَذَا لَا يَحْتَمِلُ التَّدْبِيرُ الْفَسْخَ وَيَثْبُتُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَاءِ.

(قَالَ): وَلَا يُجْزِي إعْتَاقُ الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ أَدَّى شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِعِوَضٍ وَالْكَفَّارَةُ بِهِ لَا تَتَأَدَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَشِّرْ أُمَّتِي بِالسَّنَاءِ وَالتَّمْكِينِ مَا لَمْ يَبْتَغُوا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ الدُّنْيَا»، وَدَلِيلُ أَنَّ الْمَقْبُوضَ عِوَضٌ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ زُيُوفًا رَدَّهُ وَاسْتَبْدَلَ بِالْجِيَادِ؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - اخْتَلَفُوا فِي رِقِّهِ بَعْدَ أَدَائِهِ بَعْضَ الْبَدَلِ فَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ يُعْتَقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ إذَا أَدَّى قِيمَةَ نَفْسِهِ يُعْتَقُ، وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي رِقِّهِ شُبْهَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ جَوَازِ التَّكْفِيرِ بِهِ، وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ رِقَّهُ لَمْ يُنْتَقَصْ بِمَا أَدَّى مِنْ الْبَدَلِ، وَلِهَذَا احْتَمَلَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ الْفَسْخَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْبَدَلِ كَمَا احْتَمَلَ قَبْلَهُ فَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ قَبْلَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>