يَرَاهُ يَنْحَطُّ لِلرُّكُوعِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِرَفْعِ الْيَدِ.
(ثُمَّ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ وَيُخْفِي بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَقَدْ أَدْخَلَ التَّسْمِيَةَ فِي الْقِرَاءَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ لَا يَأْتِي الْمُصَلِّي بِالتَّسْمِيَةِ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، وَلَنَا حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقُرْآنَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ كَانَ يُخْفِي التَّسْمِيَةَ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَنْ عُمَرَ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ»، وَلَمَّا صَلَّى مُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَجْهَرْ بِالتَّسْمِيَةِ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا أَسَرَقْتَ مِنْ الصَّلَاةِ؟ أَيْنَ التَّسْمِيَةُ؟ فَدَلَّ أَنَّ الْجَهْرَ بِهَا كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَهُ يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الصَّلَاةِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ يَا بُنِيَ إيَّاكَ وَالْحَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ «، فَإِنِّي صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِالتَّسْمِيَةِ» وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْحَقِيقَةِ تَنْبَنِي عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ عِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّهُ كَانَ يَعُدُّ {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] آيَةً، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّسْمِيَةُ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَهُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ قَوْلَانِ وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: التَّسْمِيَةُ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ حَتَّى قَالَ: مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ فَكَأَنَّمَا تَرَكَ مِائَةً وَثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ مِائَةً وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رُبَّمَا احْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَعَدَّهَا آيَةً، ثُمَّ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] وَعَدَّهَا آيَةً»، وَلِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ فِي الْمَصَاحِفِ بِقَلَمِ الْوَحْيِ لِمَبْدَأِ الْفَاتِحَةِ وَكُلِّ سُورَةٍ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَجْرِيدِ الْقُرْآنِ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ النَّقْطِ وَالتَّعَاشِيرِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَلَا تَكُونُ سَبْعَ آيَاتٍ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥] آيَةٌ {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] آيَةٌ ضَعِيفٌ تَشْهَدُ الْمَقَاطِعُ بِخِلَافِهِ.
وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute