يُلَاعِنُهَا لِحَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِنَفْيِ الْحَمْلِ وَقَدْ لَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْحَبَلَ يُعْرَفُ وُجُودُهُ بِالظَّاهِرِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ شَرْعًا نَحْوُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةِ بِهِ وَلَهُ فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ حُكْمُ اللِّعَانِ بِنَفْيِهِ.
(وَحُجَّتُنَا) مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ نَفْيَ الْحَبَلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ رِيحٌ، وَاللِّعَانُ فِي قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ فِي قَذْفِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ إقَامَتُهُ مَعَ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ حُكْمِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَالْإِرْثُ وَالْوَصِيَّةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَلَا تَتَقَرَّرُ فِي الْحَالِ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إنَّهُ قَذَفَهَا بِالزِّنَا نَصًّا فَإِنَّهُ قَالَ: وَجَدْت شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ عَلَى بَطْنِهَا يَزْنِي بِهَا، ثُمَّ نَفْيُ الْحَبَلِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَعِنْدَنَا إذَا قَذَفَهَا بِالزِّنَا نَصًّا يُلَاعِنُهَا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ أَنَّهَا حُبْلَى حَتَّى قَالَ «إنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ عَلَى نَعْتِ كَذَا، فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا حَمَالِيًا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا الْأَيْمَانُ الَّتِي سَبَقَتْ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِطَرِيقِ الْوَحْيِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مِثْلُهُ فِي زَمَانِنَا ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ، وَلَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ النَّفْيِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ نُفِيَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَاعَنَ، وَلَزِمَ الْوَلَدُ أُمَّهُ، لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْحَبَلَ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ هَذَا وَنَفْيُهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ سَوَاءٌ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِتَيَقُّنِنَا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ السَّبَبِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: أَصْلُ هَذَا الْقَذْفِ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلِّعَانِ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا فِي مَعْنَى قَذْفٍ مُضَافٍ، وَالْقَذْفُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ، وَلَا التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَبِهِ فَارَقَ الْوَصِيَّةَ وَالْمِيرَاثَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ وَالْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ: يُقَرِّرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَاعَنَهَا قَبْلَ الْوَضْعِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يُحْكَمُ عَلَى الْحَبَلِ بِقَطْعِ نَسَبِهِ مِنْ الزَّوْجِ، إذْ النَّسَبُ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ، وَإِلْزَامُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَمْلِ لَا يَجُوزُ فَإِذَا تَعَذَّرَ نَفْيُ النَّسَبِ عِنْدَ النَّفْيِ لَا يَصِيرُ مُحْتَمَلًا لِلنَّفْيِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ لَاعَنَهَا بَعْدَ الْوَضْعِ لَنُفِيَ النَّسَبُ عَنْهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِذَا تَعَذَّرَ نَفْيُ النَّسَبِ يَتَعَذَّرُ اللِّعَانُ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا، وَإِذَا لَاعَنَهَا بِغَيْرِ وَلَدٍ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، وَلِهَذَا كَانَ طَلَاقًا فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ لَزِمَهُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ لِمُدَّةٍ يُتَوَهَّمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute