للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْحُمْرَةُ الَّتِي قَبْلَ الْبَيَاضِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَهَكَذَا رَوَى أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الطَّوَالِعَ ثَلَاثَةٌ وَالْغَوَارِبَ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ لِدُخُولِ الْوَقْتِ الْوَسَطُ مِنْ الطَّوَالِعِ وَهُوَ الْفَجْرُ الثَّانِي فَكَذَلِكَ فِي الْغَوَارِبِ الْمُعْتَبَرُ لِدُخُولِ الْوَقْتِ الْوَسَطُ وَهُوَ الْحُمْرَةُ فَبِذَهَابِهَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعِشَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْبَيَاضِ مَعْنَى الْحَرَجِ فَإِنَّهُ لَا يَذْهَبُ إلَّا قَرِيبًا مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ (وَقَالَ) الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ رَاعَيْت الْبَيَاضَ بِمَكَّةَ فَمَا ذَهَبَ إلَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: لَا يَذْهَبُ الْبَيَاضُ فِي لَيَالِي الصَّيْفِ أَصْلًا بَلْ يَتَفَرَّقُ فِي الْأُفُقِ ثُمَّ يَجْتَمِعُ عِنْدَ الصُّبْحِ فَلِدَفْعِ الْحَرَجِ جَعَلْنَا الشَّفَقَ الْحُمْرَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: الْحُمْرَةُ أَثَرُ الشَّمْسِ وَالْبَيَاضُ أَثَرُ النَّهَارِ فَمَا لَمْ يَذْهَبْ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِيرُ إلَى اللَّيْلِ مُطْلَقًا وَصَلَاةُ الْعِشَاءِ صَلَاةُ اللَّيْلِ كَيْفَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «وَقْتُ الْعِشَاءِ إذَا مَلَأَ الظَّلَامُ الظِّرَابَ» وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا ادْلَهَمَّ اللَّيْلُ» أَيْ اسْتَوَى الْأُفُقُ فِي الظَّلَامِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِ الْبَيَاضِ فَبِذَهَابِهِ يَخْرُجُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ

وَيَدْخُلُ وَقْتُ الْعِشَاءِ. فَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ فَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ: إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ. وَالْمُرَادُ بَيَانُ وَقْتِ إبَاحَةِ التَّأْخِيرِ فَأَمَّا وَقْتُ الْإِدْرَاكِ فَيَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي حَتَّى إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَهَذَا عِنْدَنَا

، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: آخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَذْهَبُ ثُلُثُ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَصَلَّى بِي الْعِشَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ».

(وَلَنَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَآخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَصَلَاةُ الْعِشَاءِ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَيَبْقَى وَقْتُهَا مَا بَقِيَ اللَّيْلُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْرُجُ وَقْتُ صَلَاةٍ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى» دَلِيلٌ لَنَا أَيْضًا إنْ ثَبَتَ هَذَا اللَّفْظُ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ، وَالْمَشْهُورُ اللَّفْظُ الَّذِي رَوَيْنَا

قَالَ (وَالتَّنْوِيرُ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ مِنْ التَّغْلِيسِ بِهَا عِنْدَنَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ التَّغْلِيسُ بِهَا أَفْضَلُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ إنْ كَانَ مِنْ عَزْمِهِ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَبْدَأَ بِالتَّغْلِيسِ وَيَخْتِمَ بِالْإِسْفَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَزْمِهِ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ فَالْإِسْفَارُ أَفْضَلُ مِنْ التَّغْلِيسِ

، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ كُنَّ النِّسَاءُ يَنْصَرِفْنَ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ مُتَلَفِّعَاتٌ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ شِدَّةِ الْغَلَسِ» وَقَالَ أَنَسٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>